اسم الکتاب : النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام المؤلف : أحمد عبد الوهاب الجزء : 1 صفحة : 182
فروض وتكاليف:
من الطبيعي أن يبدأ التعليم الإلهي بالرسول.. وهكذا كان فلقد فرض عليه القيام بالليل، تعبدًا لله وتهذيبًا، وبعد أن انقضى عهد الراحة والنوم متزملًا ومتدثرًا.. وبدأ عهد جديد كله عمل وكفاح وصبر وجهاد.
وهو عمل في دوائر متحدة المركز تماثل تلك الدوائر التي تنبعث على سطح الماء لبحيرة هادئة إذا ما أصابتها قذيفة.
وحين نبدأ بالرسول في المركز نجد أقرب دائرة إليه أهل بيته، ثم صحبه المخلصين، ثم عشيرته الأقربين.
وهكذا نزلت أولى آيات سورة المزمل لتقول: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ، قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا، أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل: 1-4] .
هو فرض وتكليف، إذا صرفنا النظر عن كونه شغلًا مبذولًا وطاقة مستنفذة فلا شك أن النفس العالية لا بد وأن تستقبل ذلك التكليف بشيء من الخوف والرهبة، حذرًا من الضعف الذي ارتبط بالإنسان، أو مخافة عدم الإتقان.
لكنه -في الحقيقة- تكليف غلفته رحمة الله، ذلك أن النفس البشرية بطبيعتها تشعر بشيء من الراحة ويهون عليها الصعب حين تجد لها فيه خيارًا.
وهكذا كان فرض قيام الليل، إذ ترك الخيار في مقداره فزال بذلك الحرج وخف التكليف.
ولكي يعلم الرسول حقيقة ما انفتح عليه من السماء كانت الآية التالية لما سبق ذكره من سورة المزمل تخبر بكل وضوح أنه يتعرض لضغط عال من السماء يجب أن يستعد له منذ تلك اللحظة فهي تقول: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5] .
لقد كان نزول القرآن على الرسول عملية تصحبها الشدة ويلازمها الضغط الثقيل، وحين قال عبد الله بن عمرو: يا رسول الله. هل تحس بالوحي؟
اسم الکتاب : النبوة والأنبياء في اليهودية والمسيحية والإسلام المؤلف : أحمد عبد الوهاب الجزء : 1 صفحة : 182