بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يريد منه الانتقال من مذهب أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ إلى مذهب الإمام الشافعي ـ رضي الله عنه ـ؛ فقامت القيامة بين الحنفية والشافعية من أجل الإمام؛ فغلق المسجد القديم، ومُنِعَت الشافعية من إقامة الجمعة! فبالله عليك! تأمَّل منصفًا في هذه القصة؛ فهل يقول أحد من سفلة الناس فضلًا عن أهل العلم: أن مذهب أبي حنيفة خطأ وضلال واتباع غير دين المسلمين، حتى أن الله يقول لأبي المظفر: أما آن لك أن ترجع إلينا! بمعنى أن تترك مذهب أبي حنيفة وترجع إلى مذهب الشافعي، ليس لها تأويل إلا هذا؟! وكان من الممكن بل هو التحقيق إن صحَّت هذه الرؤيا لابن السمعاني؛ فتأويلها ـ والله أعلم ـ أن ابن السمعاني كان مشتغلًا بعلم الكلام المتضمن تأويل نصوص الصفات والمناظرة بالجدل انتصارًا لأبي حنيفة؛ فأراد الله هدايته وإنقاذه من المهلكات التي نهى الله عنها ورسوله؛ فأراه في نومه ما أراه. ومعنى «أن ترجع إلينا» بمعنى: أن ترجع إلى كتابنا وسنَّة نبينا؛ فتناظر وتناضل عنهما وتنتصر لهما، ولا تقدم قول أحد من الناس كائنًا من كان عليهما؛ فإن وافق قول متبوعك شيئًا منهما قُبِل، وإلا فيرد بكتابنا وسنة نبينا.
هذا هو التأويل اللائق برؤيا هذا الإمام؛ وقد أدرك ذلك وفهمه ـ رحمة الله تعالى عليه ـ فرجع إلى مذهب أهل الحديث، وتخرج فيه، ونبغ وبرع وصنَّف التصانيف النافعة. والحامل لنا على تأويل هذه الرؤيا أسبابٌ:
مِنها: أن المذاهب هذه لم تكن معروفة في عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا في عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ؛ بل حدثت في أواخر المائة الثانية، هذا بالنسبة إلى وجود الأئمة الأربعة؛ وإلا فالتقليد لم يستفحل أمره إلافي المائة الرابعة؛ يُعْلَم ذلك من تتبع كتب الحديث وكتب الأئمة الذين كانوا قريبًا من عهد الأئمة الأربعة؛ كمختصر المزني