اسم الکتاب : العين والأثر في عقائد أهل الأثر المؤلف : ابن فَقِيه فُصَّة الجزء : 1 صفحة : 98
"11/أ" عليهم, وبالغ في الاستدلال بأن أفعال العباد كلها مخلوقة بالآيات والأحاديث في ذلك, مع أن قول من قال: "إن الذي يُسمع من القارئ هو الصوت القديم", لا يعرف عن السلف, ولا قاله أحمد, ولا أصحابه, وإنما سبب نسبة ذلك لأحمد قوله: "من قال: لفظي بالقرآن مخلوق, فهو جهمي", فظنوا أنه سوى بين اللفظ والصوت, بل صرح في مواضع بأن الصوت المسموع من القارئ, هو صوت القارئ[1], والفرق بينهما أن اللفظ يضاف إلى المتكلم به ابتداء, فيقال عمن روى الحديث بلفظه: هذا لفظه, ولمن رواه بغير لفظه: هذا معناه, ولا يقال في شيء من ذلك: هذا صوته, فإن القرآن كلام الله, ومعناه: ليس هو كلام غيره, أما قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} [2], فاختلف فيه, هل المراد جبريل, أو الرسول عليهما الصلاة والسلام؟ , والمراد به التبليغ؛ لأن جبريل مبلغ عن الله تعالى إلى رسوله, والرسول صلى الله عليه وسلم إلى الناس, ولم يُنقَل عن أحمد أنه قال: فعل العبد قديم, ولا صوته[3], إنما ينكر إطلاق اللفظ.
وصرح البخاري بأن أصوات العباد مخلوقة, وأن أحمد لا يخالفه في ذلك, ولكن أهل العلم كرهوا التنقيب عن الأشياء الغامضة, وتجتنبوا الخوض فيها والتنازع, إلا بما بينه الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن شدة اللبس في هذه المسألة, كثر نهي السلف عن الخوض فيها, واستغنوا بالاعتقاد أن القرآن كلام الله غير مخلوق, ولم يزيدوا على ذلك [1] انظر: مجموعة الرسائل والمسائل: "354/3". [2] الحاقة: الآية 40, والتكوير: الآية: 19.
والأرجح هنا أنها آية الحاقة, ففي التكوير أعقبها بذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس بمجنون, بقوله {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} , ولو كان المراد واحدًا لما استأنف ذكره بإشارة ثانية,
وانظر: تفسير الطبري: "52/30", "41/29, 42", الجامع لاحكام القرآن للقرطبي: "240/19", "274/18-275". [3] أي: لم يقل أن فعل العبد قديم, ولم يقل أن صوت العبد قديم.
اسم الکتاب : العين والأثر في عقائد أهل الأثر المؤلف : ابن فَقِيه فُصَّة الجزء : 1 صفحة : 98