اسم الکتاب : العواصم من القواصم - ط الأوقاف السعودية المؤلف : ابن العربي الجزء : 1 صفحة : 71
قال ابن شهاب ([1]) " وأخبرني خارجةُ بن زيد بن ثابت أنه سمع زيد بن ثابت قال: " فقدتُ آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنتُ أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة الأنصاري {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] فألحقناها في سورتها من المصحف ".
وأما ما روي أنه حرّقها أو خرّقها - بالحاء المهملة أو الخاء المعجمة، وكلاهما جائز - إذا كان في بقائها فساد، أو كان فيها ما ليس من القرآن، أو ما نسخ منه، أو على غير نظمه، فقد سلّم في ذلك الصحابة كلهم: إلا أنه روي عن ابن مسعود أنه خطب بالكوفة فقال: " أما بعد، فإن الله قال {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161] وإني غالٌّ مصحفي، فمن استطاع منكم أن يغل مصحفه فليفعل ". وأراد ابن مسعود أن يؤخذ بمصحفه، وأن يثبت ما يعلم فيه. فلما لم يُفعل ذلك له قال ما قال، فأكرهه عثمان على رفع مصحفه، ومحا رسومه فلم تثبت له قراءة أبدا، ونصر الله عثمان والحق بمحوها من الأرض [2] . [1] فيما رواه عن الإمام البخاري في صحيحه (ك 56 ب12 ج3 ص205 - 206، وك 64 ب 17 ج 5 ص 31، وك 65 السورة 9 ب 20 والسورة 33 ب3، وك 66 ب3 و4، وك 93 ب27، وك 97 ب22) . [2] عبد الله بن مسعود من كبار علماء الصحابة ومن أجودهم قراءة لكتاب الله، وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة على حسن تلاوة ابن مسعود للقرآن، فتسارع أبو بكر وعمر ليوصلا إليه البشرى بهذا الثناء النبوي: (انظر مسند أحمد 1: 25 - 26 الطبعة الأولى - رقم 175 الطبعة الثانية) . إلا أن ابن مسعود كان يكتب ما يوحى من القرآن في مصحفه كلما بلغه نزول آيات منه، فهو يختلف في ترتيب هذه الآيات عما امتازت به مصاحف عثمان من الترتيب بحسب العرض الأخير على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر ما أدى إليه اجتهاد الصحابة المؤيد بإجماعهم. ويحتمل أن يكون ابن مسعود فاته في مصحفه بعض ما استقصاه زيد بن ثابت وزملاؤه من الآيات التي كانت عند آخرين من قراء الصحابة. زد على ذلك أن ابن مسعود كانت تغلب عليه لهجة قومه من هذيل، والنبي صلى الله عليه وسلم رخص لمثل ابن مسعود أن يقرءوا بلهجاتهم، ولكن ليس لابن مسعود أن يحمل الأمة في زمنه والأزمان بعده على لهجته الخاصة، فكان من الخير توحيد الأمة على قراءة كتاب ربها باللهجة المضرية التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اسم الکتاب : العواصم من القواصم - ط الأوقاف السعودية المؤلف : ابن العربي الجزء : 1 صفحة : 71