اسم الکتاب : العواصم من القواصم - ط الأوقاف السعودية المؤلف : ابن العربي الجزء : 1 صفحة : 227
فخذوا لأنفسكم بالأحزم، والأصح، أو اسكتوا عن الكل، والله يتولى توفيقكم وحفظكم.
و" الصاحب " الذي كنى عنه حميد بن عبد الرحمن هو ابن عمر، والله أعلم. وإن كان غيره فقد أجمع رجلان عظيمان على هذه المقالة، وهي تعضد ما أصَّلناه لكم من أن ولاية المفضول نافذة وإن كان هنالك من هو أفضل منه إذ عقدت له. ولما في حلها - أو طلب الفضل - من استباحة ما لا يباح، وتشتيت الكلمة، وتفريق أمر الأمة.
[الشهادة ليزيد له بالاستقامة والصلاح]
فإن قيل. كان يزيد خمارًا. قلنا: لا يحل إلا بشاهدين، فمن شهد بذلك عليه [1] بل شهد العدل بعدالته. فروى يحيى بن بكير، عن [1] أن معاوية - مع شديد حبه ليزيد، لألمعيته واكتمال مواهبه - آثر أن ينشأ ابنه بعيدا عنه في أحضان الفطرة، وخشونة البداوة وشهامتها، ليستكمل الصفات اللائقة بالمهمة التي تنتظر أمثاله، فبعث به إلى أخبية البادية عند أخواله من قضاعة، ليكون على مذهب أمه ميسون بنت بحدل يوم قالت:
لبيت تخفق الأرواح فيه ... أحب إلى من قصر منيف
وفي ذلك الوسط أمضى يزيد زمن صباه وصدر شبابه، وما لبث أن انتقل أبوه إلى رحمة الله حتى تولى المركز الذي أراده الله له. فلما خلا الجو لابن الزبير - بموت معاوية - صار دعاته يذيعون في الحجاز الأكاذيب على يزيد، وينسبون إليه ما لا يحل لهم، نقل الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (8: 233) أن عبد الله بن مطيع (داعية ابن الزبير) مشى في المدينة هو وأصحابه إلى محمد بن علي بن أبي طالب (المعروف بابن الحنفية) فأرادوه على خلع يزيد، فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتعدى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته، وأقمت عنده، فرأيته مواظبا على الصلاة، متحريا للخير، يسأل عن الفقه، ملازما للسنة. قالوا: فإن ذلك كان منه تصنعا لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إلى الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم نكن رأيناه. فقال لهم أبى الله ذلك على أهل الشهادة فقال: إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (الزخرف: 86) ، ولست من أمركم في شيء. قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك، فنحن نوليك أمرنا. قال: ما أستحل القتال على ما تريدونني عليه تابعا ولا متبوعا. قالوا؟ فقد قاتلت مع أبيك؟ قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه. فقالوا: فمر ابنيك؟ أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا. قال: لو أمرتهما قاتلت. قالوا: فقم معنا مقاما يحض الناس فيه على القتال. قال: سبحان الله. آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه؟ إذن ما نصحت لله في عباده. قالوا: إذن نكرهك. قال: إذن آمر الناس بتقوى الله، وألا يرضوا المخلوق بسخط الخالق (وخرج إلى مكة) .
اسم الکتاب : العواصم من القواصم - ط الأوقاف السعودية المؤلف : ابن العربي الجزء : 1 صفحة : 227