responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : العقل والنقل عند ابن رشد المؤلف : الجامي، محمد أمان    الجزء : 1  صفحة : 93
عنها علم الخالق لأنه علم يليق به تعالى قديم قدم ذاته، محيط بكل شيء لا يلحقه نسيان أو ذهول، أو غفلة وهو باق بقاء الذات العلية، فإثبات صفات الله تعالى عند المثبتة على غرار قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الشورى: 11) ، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (الإخلاص: 4) ، {وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} (طه: 110) ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} (مريم: 65) , وما قيل في صفة العلم يقال في سائر الصفات الذاتية والفعلية، هكذا يثبت لدى المصنف أن الإثبات شيء والتشبيه شيء آخر والله ولي التوفيق.
وقد استخدم أبو الوليد بعض تلك الألقاب التي تقدم ذكرها في حق المثبتة جرياً على عادة القوم، وكان المتوقع من أبي الوليد أن يقف موقف البصير المنصف فيضع الأمور في نصابها، ويلحق الألقاب بأهلها، فيقول لمن أثبت صفات الله كما يليق به أنه مثبت، ولمن أول وحرف أنه مؤول، ولمن شبه صفات الله بصفات خلقه أنه مشبه.
وقد أثبتنا - فيما سبق - أن المثبتة ليسوا بمشبهين ولا مجسمين، بل طريقتهم وسط بين التشبيه والتعطيل، كما وضحنا آنفاً، وإذا كانت المشبهة قد غلت في إثبات صفات الله فأثبتوها معتقدين أنها صفات كصفات المخلوقين، بدعوى أنهم لا يعقلون من صفات الله إلا كما يعقلون صفات المخلوقين، فقدرة الله عندهم كقدرة المخلوقين, وإرادته كإرادتهم, واستواؤه كاستوائهم، كذلك محبته ورضاؤه، غلت المعطلة في التنزيه من الطرف الآخر فنفت وعطلت صفات الله تعالى أو بعضها، بدعوى التنزيه معتقدين أن إثبات الصفات يؤدي إلى التشبيه فأهل السنة والجماعة فقد هداهم الله إلى سواء السبيل ووفقهم فسلكوا مسلكاً وسطاً، فأثبتوا ونزهوا - أثبتوا لله ما أثبت لنفسه أو أثبته له رسوله من صفات الكمال - وجميع صفاته كمال - إثباتاً بلا تشبيه أو تمثيل في ضوء قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} .
وقد أثنى أبو الوليد على هذه الطريقة في غير ما موضع في بعض كتبه[1] ولكنه يراها أنها إنما تناسب الجمهور فقط دون العلماء فإنهم لا يقفون عندها، بل عليهم أن يغوصوا في بحار الفلسفة، فيكشفوا حقائق لا يدركها الجمهور، مع التكتم[2] الشديد وعدم التصريح بتلك الحقائق أمام الجمهور، فلو التزم أبو الوليد طريقة معينة في إصدار الأحكام على الناس لسهل علينا أن نصغي إلى أحكامه ثم ننقاشه، ولكنه صعب المنال وكثير التقلب, فبينما تراه يتحدث في باب الأسماء والصفات حديث سلفي مثبت الصفات واقف على ظاهر الشريعة فإذا هو يخطب على منصة أهل الكلام فيؤول وينفر عن الإثبات، ولو عرّجت على نادي الفلاسفة لوجدته في طليعة الحكماء الذين يعيشون في مخيم الغموض ويضربون في

[1] منهاج الأدلة لابن رشد.
[2] وهي طريقة الباطنية.
اسم الکتاب : العقل والنقل عند ابن رشد المؤلف : الجامي، محمد أمان    الجزء : 1  صفحة : 93
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست