اسم الکتاب : الرد على الجهمية والزنادقة المؤلف : أحمد بن حنبل الجزء : 1 صفحة : 150
إثبات أن الله بائن من خلقه وعلمه محيط بجميع الخلق
المثل الأعلى قد أحاط بجميع خلقه، وعلم كيف هو، وما هو، من غير أن يكون في شيء مما خلق[1]. [1] قال ابن تيمية -رحمه الله- في "بيان تلبيس الجهمية" "547/2":
وهذا أيضًا قياس عقلي من قياس الأولى قرر به إمكان العلم بدون المخالطة، فذكر أن العبد إذا فعل مصنوعًا كدارٍ بناها فإنه يعلم مقدارها وعدد بيوتها مع كونه ليس هو فيها لكونه هو بناها، فالله الذي خلق كل شيء أليس هو أحق بأن يعلم مخلوقاته ومقاديرها وصفاتها وإن لم يكن فيه محايثًا لها، وهذا من أبين الأدلة العقلية، وهذان القياسان: أحدهما: لإحاطته بخلقه، إذ الخلق جميعًا في قبضته وهو محيط بهم ببصره.
الثاني: لعلمه بهم؛ لأنه هو الخالق كما قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}
وقال ابن بطة في "الإبانة" "136/3":
باب الإيمان بأن الله -عز وجل- على عرشه بائن من خلقه وعلمه محيط بجميع خلقه.
وأجمع المسلمون من الصحابة والتابعين وجميع أهل العلم من المؤمنين أن الله -تبارك وتعالى- على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه، وعلمه محيط بجميع خلقه لا يأبى ذلك ولا يكره إلا من انتحل مذاهب الحلولية، وهم قوم زاغت قلوبهم واستهوتهم الشياطين فمرقوا من الدين. وقالوا: إن الله ذاته لا يخلو منه مكان. فقالوا: إنه في الأرض كما هو في السماء، وهو بذاته حَالٌّ في جميع الأشياء، وقد أكذبهم القرآن والسنة وأقاويل الصحابة والتابعين من علماء المسلمين. فقيل للحلولية: لِمَ أنكرتم أن يكون الله تعالى على العرش؟ وقال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] وقال: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان: 59] فهذا خبر الله أخبر به عن نفسه وأنه على العرش.
فقالوا: لا نقول إنه على العرش لأنه أعظم من العرش، ولأنه إذا كان على العرش فإنه يخلو منه أماكن كثيرة، فنكون قد شبهناه بخلقه، إذا كان أحدهم في منزله فإنما يكون في الموضع الذي هو فيه، ويخلو منه سائر داره، ولكنا نقول: إنه تحت الأرض السابعة كما هو فوق السماء السابعة، وأنه في كل مكان لا يخلو منه مكان، ولا يكون في مكان دون مكان.
قلنا: أما قولكم: إنه لا يكون على العرش لأنه أعظم من العرش، فقد شاء الله أن يكون =
اسم الکتاب : الرد على الجهمية والزنادقة المؤلف : أحمد بن حنبل الجزء : 1 صفحة : 150