responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الجواهر المضية المؤلف : محمد بن عبد الوهاب    الجزء : 1  صفحة : 11
على قول كلمة أو فعل مرة واحدة، ووعدوه أن ذلك يقودهم إلى الإسلام.
إذا عرفت أن أعظم أهل الإخلاص وأكثرهم حسنات، لو قال كلمة الشرك مع كراهيته لها ليقود غيره بها إلى الإسلام حبط عمله وصار من الخاسرين؛ فكيف بمن أظهر أنه منهم، وتكلم بمائة كلمة؛ لأجل تجارة، أو لأجل أن يحج؛ لما مَنَعُوا الموحدين من الحج كما منعوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى فتح الله مكة؟
فمن فهم هذا فهما جيدا، انفتح له معرفة قدر التوحيد عند الله عز وجل وقدر الشرك. ولكن إن عرفت هذه بعد أربع سنين فَنِعِمَّى لك، أعني: المعرفة التامة كما تعرف أن قطرة من البول تنقض الوضوء الكامل إذا خرجت ولو بغير اختياره.
الإيمان بما جاء به الرسول عليه السلام كله
(الخامسة) : أن الرسول صلى الله عليه وسلم فرض الإيمان بما جاء به كله لا تفريق فيه، فمن آمن ببعضٍ وكفر ببعض، فهو كافر حقا، بل لا بد من الإيمان بالكتاب كله. فإذا عرفت أن من الناس من يصلي ويصوم، ويترك كثيرا من المحرمات؛ لكن لا يُوَرِّثُونَ المرأةَ، ويزعمون أن ذلك هو الذي ينبغي اتباعه، بل لو ورثها أحد عندهم وخالف عادتهم لأنكرت قلوبهم ذلك.
أو ينكر عدة المرأة في بيت زوجها مع علمه بقول الله تعالى: {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [1]، ويزعم أن تركها في بيت زوجها لا يصلح، وأن إخراجها منه هو الذي ينبغي فعله، أو أنكر التحية بالسلام مع معرفته أن الله شرعها حبا لتحية الجاهلية لما ألفها، فهذا يكفر؛ لأنه آمن ببعض، وكفر ببعض، بخلاف مَن فعل المعصية أو ترك الفرض مثل فعل الزنى وترك بر الوالدين مع اعترافه أنه مخطيء وأن أمر الله هو الصواب[2].
واعلم أني مثلتُ لك بهذه الثلاث؛ لتحذو عليها؛ فإن عند الناس من هذا

[1] سورة الطلاق آية: [1].
[2] يعني أن الكفر في: استقباح شرع الله، وتفضيل العادات المحرمة عليه؛ لا مجرد فعل المحرم مع اعتقاد فاعله أنه مذنب وأن فعله قبيح.
وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ} [1] الآية.
وغير ذلك، قالوا: لا يجوز العمل لنا ولا لمثلنا بكلام الله ولا بكلام الرسول، ولا بكلام المتقدمين، ولا نطيع إلا ما ذكره المتأخرون.
ولما قلت لهم: أنا أخاصم الحنفي بكلام المتأخرين من الحنفية، والمالكي والشافعي والحنبلي؛ كُلٌّ أخاصمه بكتب المتأخرين من علمائهم الذين يعتمدون عليهم، فلما أبوا ذلك نقلت كلام العلماء من كل مذهب لأهله. وذكرتُ كل ما قالوا بعدما صُرِّحَتْ الدعوةُ عند القبور والنذر لها، فعرفوا ذلك وتحققوه؛ فلم يزدهم إلا نفورا.
وأما التكفير: فإني أكفر مَنْ عرف دين الرسول، ثم بعد ما عرفه سَبَّهُ ونَهَى الناس عنه، وعادى مَنْ فعله، فهذا هو الذي أُكَفِّرُهُ، وأكثر الأمة -ولله الحمد- ليسوا كذلك.
وأما القتال: فلم نقاتل أحدا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أَتَوْنَا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة، وجزاء سيئة سيئة مثلها. وكذلك مَنْ جَاهَرَ بسَبِّ دين الرسول بعد ما عرفه.
فإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه؛ وأن الواجب إشاعته في الناس، وتعليمه النساء والرجال، فرحم الله من أدى الواجب عليه، وتاب إلى الله، وأقر على نفسه، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له, ونسأل الله أن يهدينا وإياكم لما يحب ويرضى. والله أعلم.

[1] سورة يونس آية: 31.
اسم الکتاب : الجواهر المضية المؤلف : محمد بن عبد الوهاب    الجزء : 1  صفحة : 11
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست