اسم الکتاب : التوحيد المؤلف : عبده، محمد الجزء : 1 صفحة : 99
بُيُوتهم ويغشون مجَالِسهمْ ليحملوهم على دين الظافر وبرهانهم الْغَلَبَة وحجتهم الْقُوَّة وَلم يَقع ذَلِك لفاتح من الْمُسلمين وَلم يعْهَد فى تَارِيخ فتوح الْإِسْلَام أَن كَانَ لَهُ دعاة معروفون لَهُم وَظِيفَة ممتازة يَأْخُذُونَ على أنفسهم الْعَمَل فى نشره ويقفون مسعاهم على بَث عقائده بَين غير الْمُسلمين بل كَانَ الْمُسلمُونَ يكتفون بمخالطة من عداهم ومحاسنتهم فى الْمُعَامَلَة وَشهد الْعَالم بأسره أَن الْإِسْلَام كَانَ يعد مجاملة المغلوبين فضلا وإحسانا عِنْدَمَا كَانَ يعدها الأوروبيون ضعة وضعفا رفع الْإِسْلَام مَا ثقل من الأتاوات ورد الْأَمْوَال المسلوبة إِلَى أَرْبَابهَا وانتزع الْحُقُوق من مغتصبيها وَوضع الْمُسَاوَاة فى الْحق عِنْد التقاضى بَين الْمُسلم وَغير الْمُسلم بلغ أَمر الْمُسلمين فِيمَا بعد أَن لَا يقبل إِسْلَام من دَاخل فِيهِ إِلَّا بَين يدى قَاض شرعى بِإِقْرَار من الْمُسلم الْجَدِيد أَنه أسلم بِلَا إِكْرَاه وَلَا رَغْبَة فى دنيا وصل الْأَمر فى عهد بعض الْخُلَفَاء الأمويين أَن كره عمالهم دُخُول النَّاس فى دين الْإِسْلَام لما رَأَوْا أَنه ينقص من مبالغ الْجِزْيَة وَكَانَ فى حَال أُولَئِكَ الْعمَّال صد عَن سَبِيل الدّين لَا محَالة عرف خلفاء الْمُسلمين وملوكهم فى كل زمن مَا لبَعض أهل الْكتاب بل وَغَيرهم من المهارة فى كثر من الْأَعْمَال فاستخدموهم وصعدوا بهم إِلَى أَعلَى المناصب حَتَّى كَانَ مِنْهُم من تولى قيادة الْجَيْش فى اسبانيا اشتهرت حريَّة الْأَدْيَان فى بِلَاد الْإِسْلَام حَتَّى هجر الْيَهُود أوربا فِرَارًا مِنْهَا بدينهم إِلَى بِلَاد الأندلس وَغَيرهَا
هَذَا مَا كَانَ من أَمر الْمُسلمين فى معاملتهم لمن أظلوهم بسيوفهم لم يَفْعَلُوا شَيْئا سوى أَنهم حملُوا إِلَى أُولَئِكَ الأقوام كتاب الله وشريعته وألقوا بذلك بَين أَيْديهم وَتركُوا الْخِيَار لَهُم فى الْقبُول وَعَدَمه وَلم يقومُوا بَينهم بدعوة وَلم يستعملوا لإكراههم عَلَيْهِ شَيْئا من الْقُوَّة وَمَا كَانَ من الْجِزْيَة لم يكون مِمَّا يثقل أَدَاؤُهُ على من ضربت عَلَيْهِ فَمَا الذى أقبل بِأَهْل الْأَدْيَان الْمُخْتَلفَة على الْإِسْلَام وأقنعهم أَنه الْحق دون مَا كَانَ لديهم حَتَّى دخلُوا فِيهِ أَفْوَاجًا وبذلوا فى خدمته مالم يبذله الْعَرَب أنفسهم
ظُهُور الْإِسْلَام على مَا كَانَ فى جَزِيرَة الْعَرَب من ضروب الْعِبَادَات الوثنية وتغلبه على ماكان فِيهَا من رذائل الاخلاق وقبائح الْأَعْمَال وسيره بسكانها على
من دخلُوا تَحت سلطانهم هُوَ ماتواترت بِهِ الْأَخْبَار تواترا صَحِيحا لَا يقبل الرِّيبَة فى جملَته وَإِن وَقع اخْتِلَاف فى تَفْصِيله وَإِنَّمَا شهر الْمُسلمُونَ سيوفهم دفاعا عَن أنفسهم وكفا للعدوان عَنْهُم ثمَّ كَانَ الِافْتِتَاح بعد ذَلِك من ضَرُورَة الْملك وَلم يكن من الْمُسلمين مَعَ غَيرهم إِلَّا أَنهم جاوروهم وأجاروهم فَكَانَ الْجوَار طَرِيق الْعلم بِالْإِسْلَامِ وَكَانَت الْحَاجة لصلاح الْعقل وَالْعَمَل دَاعِيَة الِانْتِقَال إِلَيْهِ
لَو كَانَ السَّيْف ينشر دينا فقد عمل فى الرّقاب للاكراه على الدّين والإلزام بِهِ مهددا كل أمة لم تقبله بالإبادة والمحو من سطح البسيطة مَعَ كَثْرَة الجيوش ووفرة الْعدَد وبلوغ الْقُوَّة أسمى دَرَجَة كَانَت تمكن لَهَا وابتدأ ذَلِك الْعَمَل قبل ظُهُور الْإِسْلَام بِثَلَاثَة قُرُون كَامِلَة وَاسْتمرّ فى شدته بعد مجىء الْإِسْلَام سَبْعَة أجيال أَو يزِيد فَتلك عشرَة قُرُون كَامِلَة لم يبلغ فِيهَا السَّيْف من كسب عقائد الْبشر مبلغ الْإِسْلَام فى أقل من قرن هَذَا وَلم يكن السَّيْف وَحده بل كَانَ الحسام لَا يتَقَدَّم خطْوَة إِلَّا والدعاة من خَلفه يَقُولُونَ مَا يشاءون تَحت حمايته مَعَ غَيره نفيض من الأفئدة وفصاحة تتدفق عَن الْأَلْسِنَة وأموال تخلب ألباب الْمُسْتَضْعَفِينَ إِن فى ذَلِك لآيَات للمستيقنين
جلت حِكْمَة الله فى أَمر هَذَا الدّين سلسبيل حَيَاة نبع فى القفار الْعَرَبيَّة أبعد بِلَاد الله عَن الْمَدِينَة فاض حَتَّى شملها فَجمع شملها فأحياها حَيَاة شعبية ملية علامده حَتَّى استغرق ممالك كَانَت تفاخر أهل السَّمَاء فى رفعتها وتعلوا أهل الأَرْض بمدنيتها زلزل هديره على لينه مَا كَانَ استحجر من الْأَرْوَاح فانشقت عَن مَكْنُون سر الْحَيَاة فِيهَا قَالُوا كَانَ لَا يَخْلُو من غلب بِالتَّحْرِيكِ قليا تِلْكَ سنة الله فى الْخلق لَا تزَال المصارعة بَين الْحق وَالْبَاطِل والرشد والغى قَائِمَة فى هَذَا الْعَالم إِلَى أَن يقْضى الله قصاءه فِيهِ إِذا سَاق الله ربيعا إِلَى أَرض جدبة ليحيى ميتنها وينقع غَلَّتهَا وينمى الخصب فِيهَا أفينقص من قدره أَن اتى فى طَرِيقه على عقبَة فعلاها أَو بَيت رفيع الْعِمَاد فهوى بِهِ
سطح الْإِسْلَام على الديار الَّتِى بلغَهَا أَهله فَلم يكن بَين أهل تِلْكَ الديار وَبَينه إِلَّا أَن يسمعوا كَلَام الله ويفقهوه واشتغل الْمُسلمُونَ بَعضهم بِبَعْض زَمنا وانحرفوا
اسم الکتاب : التوحيد المؤلف : عبده، محمد الجزء : 1 صفحة : 99