اسم الکتاب : التوحيد المؤلف : عبده، محمد الجزء : 1 صفحة : 86
حكمته ولوحظ جَانب الْعِنَايَة الإلهية فى الإنعام على البشرية ذهب الْخلاف وتراجعت الْقُلُوب إِلَى هداها وَسَار الكافة فى مراشهدهم إخْوَانًا بِالْحَقِّ مستمسكين وعَلى نصرته متعاونين
أما صور الْعِبَادَات وضروب الاحتفالات مِمَّا اخْتلفت فِيهِ الْأَدْيَان الصَّحِيحَة سابقها مَعَ لاحقها وَاخْتِلَاف الْأَحْكَام متقدمها مَعَ متأخرها فمصدره رَحْمَة الله ورأفته فى إيتَاء كل أمة وكل زمَان مَا علم فِيهِ الْخَيْر للْأمة والملاءمة للزمان وكما جرت سنته هُوَ رب الْعَالمين بالتدريج فى تربية الْأَشْخَاص من خَارج بطن أمه لَا يعلم شَيْئا إِلَى رَاشد فى عقله كَامِل فى نشأته يمزق الْحجب بفكره ويواصل أسرار الْكَوْن بنظره كَذَلِك لم تخْتَلف سنته وَلم يضطرب هَدْيه فى تربية الْأُمَم فَلم يكن من شَأْن الْإِنْسَان فى جملَته ونوعه أَن يكون فى مرتبَة وَاحِدَة من الْعلم وَقبُول الْخطاب من يَوْم خلقه إِلَى يَوْم يبلغ بِهِ من الْكَمَال منتهاه بل سبق الْقَضَاء بِأَن يكون شَأْن جملَته فى النمو قَائِما على مَا قَرّرته الْفطْرَة الإلهية فى شَأْن أَفْرَاده وَهَذَا من البديهيات الَّتِى لَا يَصح الِاخْتِلَاف فِيهَا وَإِن اخْتلف أهل النّظر فى بَيَان مَا تفرع مِنْهُ فى عُلُوم وضعت للبحث فى الِاجْتِمَاع الْبُشْرَى خَاصَّة فَلَا نطيل الْكَلَام فِيهِ هُنَا
جَاءَت أَدْيَان وَالنَّاس من فهم مصالحهم الْعَامَّة بل والخاصة فى طور أشبه بطور الطفولة للناشىء الحَدِيث الْعَهْد بالوجود لَا يألف مِنْهُ إِلَّا مَا وَقع تَحت حسه ويصعب عَلَيْهِ أَن يضع الْمِيزَان بَين يَوْمه وأمسه وَأَن يتَنَاوَل بذهنه من الْمعَانى مَا لَا يقرب من لمسه وَلم ينفث فى روعه من الوجدان الْبَاطِن مَا يعطفه على غَيره من عشيرة أَو ابْن جنسه فَهُوَ من الْحِرْص على مَا يُقيم بِنَاء شخصه فى هم شاغل عَمَّا يلقى إِلَيْهِ فِيمَا يصله بِغَيْرِهِ اللَّهُمَّ إِلَّا يدا تصل إِلَى فَمه بِطَعَام أَو تسنده فى قعُود أَو قيام فَلم يكن من حِكْمَة تِلْكَ الْأَدْيَان أَن تخاطب النَّاس بِمَا يلطف فى الوجدان أَو يرقى إِلَيْهِ بسلم الْبُرْهَان بل كَانَ من عَظِيم الرَّحْمَة أَن نسير بالأقوام وهم عِيَال الله سير الْوَالِد مَعَ وَلَده فى سذاجة السن لَا يَأْتِيهِ إِلَّا من قبل مَا يحسه بسمعه أَو يبصره فَأَخَذتهم بالأوامر الصادعة والزواجر الرادعة وطالبتهم بِالطَّاعَةِ وحملتهم فِيهَا على مبلغ الِاسْتِطَاعَة كلفتهم بمعقول الْمَعْنى
اسم الکتاب : التوحيد المؤلف : عبده، محمد الجزء : 1 صفحة : 86