التناقض، فهو في الأمور التي يحبها يقول أنا مجبور، وإذا فعل به ما يكره ترك مذهبه. ومن هنا يعلم أن مذهب أهل البدع ليس عن عقيدة وإنما هو عن أهواء وشهوات. ولذا قال بعض أهل العلم لأحدهم: "أنت عند الطاعة قدري، وعند المعصية جبري"؛ لأنه إذا فعل الطاعة قال: أنا الفاعل لها بمشيئتي ولا قدرة لله عليها، وإذا فعل المعاصي قال: أنا مجبور ولا مشيئة لي. وهذا يبين أنهم أهل أهواء ومتبعون لحظوظ النفس.
ويرد على الفرقتين بقوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ. وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (التكوير:28،29) ففي قوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ} رد على الجبرية، وفي قوله: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ... } رد على القدرية.
(وبالقدر المقدور أيقن) أي آمن بالقدر المقدور، أي الصادر عن الرب سبحانه مقدراً محكماً، وقد عرفنا أنه لا إيمان بالقدر إلا بالإيمان بمراتبه الأربعة.
وقوله: (أيقن) اليقين ضد الشك والمراد أي لا يكن في قلبك أي شك في ذلك، فاليقين انتفاء الشك، وهو تمام العلم وكماله فإذا وجد شك أو تردد أو ظن ذهب اليقين. ولا يكفي العلم فقط بل لابد من اليقين.
(فإنه دعامة عقد الدين) (الدعامة) بكسر الدال: عماد البيت وأساس البناء، و (العقد) بكسر العين القلادة، فالدين عبارة عن عقد ينتظم أموراً كثيرةً، وله شعب متنوعة وأجزاء متعددة وأعمال وفيرة وله أعمدة ودعائم يقوم عليها بناؤه، والإيمان بالقدر هو أحد هذه الأعمدة والدعائم