فهذا الحديث يبين لنا جانبًا عظيما من جوانب الحفاظ على كيان الأمة، والحرص على سلامتها من التفرق المؤدي للفتنة، وذلك بحثها على لزوم الجماعة والتمسك بالسنة، والابتعاد عن كل المحدثات في الاعتقاد، والأفعال، والأقوال، والمناهج، التي تجر الأمة إلى الشقاق والنزاع المؤدي إلى الاختلاف والفرقة؛ لأن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم لم يفارق هذه الدنيا حتى بلغ أمته ما أوحاهُ الله إليه من شرائع دينه، فبين للأمة كل ما فيه صلاح دينها ودنياها، تركها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك ولأن الله عز وجل أكمل لنبيه الدين، وأتم عليه النعمة، ورضي للبشرية كلها الإسلام دينا، فقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [1]، وقال: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [2].
فالدين كمل بنص هذه الآية الكريمة، والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ البلاغ المبين. كما قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها لمسروق كما في صحيح مسلم، قالت: (ومن زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا من مما أنزله الله عليه فقد أعظم على الله الفرية) [3]، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [4].
فكون الدين كمل، والرسول صلى الله عليه وسلم بلغ، كما سبق الحديث بذلك، وكما جاءفي حجة الوداع، حين قال الرسول صلى الله عليه وسلم للناس وهو يبلغهم شرائع الإسلام وأحكامه، ويبين لهم الحلال والحرام، وحرمة الدماء والأعراض، وكل ما أمر الله به ونهى عنه، ويقول لهم: "ألا هل بلغت، فيقولون: نعم. فيرفع يده إلى السماء وينكتها عليهم ويقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد"، فإذا جاءنا بعد ذلك شخص من الناس، فأحدث لنا شيئا في دين الله لم يكن [1] سورة المائدة، الآية: 3. [2] سورة آل عمران، الآية: 85. [3] البخاري، التوحيد، فتح الباري 13/503 ح 7531.
ومسلم، الإيمان 10/159 ح 287. [4] سورة المائدة، الآية: 67.