3 ـ أن الاستثناء لا يجوز أن يقع من الإنسان على جهة الشك، لأنه إذا شك في إيمانه لم يعُدْ مؤمناً، بل يستثني مع الجزم كما ورد في الكتاب والسنة من استثناء في أمور مقطوع بها.
4 ـ كراهة السؤال عن الإيمان، فيكره أن يسأل الرجل غيره: أمؤمن أنت؟ كما قال محمد بن الحسين الآجري ـ رحمه الله ـ: " إذا قال لك رجل: أنت مؤمن؟ فقل: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والموت والبعث من بعد الموت والجنة والنار. وإن أحببت أن لا تجيبه تقول له: سؤالك إياي بدعة، فلا أجيبك. وإن أجبته فقلت: أنا مؤمن إن شاء الله على النعت الذي ذكرناه، فلا بأس به واحذر مناظرة مثل هذا، فإن هذا عند العلماء مذموم [1].
وروى الآجري أيضاً أنه قيل لسفيان بن عيينة: الرجل يقول: مؤمن أنت؟ فقال: فقل: ما أشك في إيماني، وسؤالك إياي بدعة، وتقول ما أدري أنا عند الله عز وجل شقي أم سعيد، أمقبول العمل أم لا؟ [2] وإنما كرهوا ذلك واعتبروه بدعة لما تقدم من أن هذا السؤال إنما جاء من جهة المرجئة، استدراجاً منهم للإيقاع في معتقدهم في الإيمان لأن الرجل المؤمن إذا سئل هذا السؤال فإنه يعلم ما في قلبه من التصديق، فإذا أجاب بأنه مؤمن قاصداً أنه مصدق فإن في ذلك حجة للمرجئة على مذهبهم. فلما علم السلف مقصدهم كرهوا الجواب أو فصَّلوا فيه فأجابوا بالإيمان المقيد الذي لا يستلزم الشهادة بالكمال.
وهكذا فإن السلف ـ رحمهم الله ـ سلكوا مسلك الحذر في تجويزهم الاستثناء وعدمه، ووضعوا قيوداً لذلك تمنع الإنسان من الوقوع في ما هو محذور إن هو راعى الدقة في ذلك. ومذهب السلف هذا أسندوه بالدليل من الكتاب والسنة كعادتهم في [1] انظر: كتاب الشريعة بتحقيق محمد حامد الفقي، ص140، ط1 مطبعة السنة المحمدية سنة 1369هـ ـ 1950م. [2] المصدر نفسه.