الفصل الرابع
مذهب السلف في مرتكب الكبيرة
قبل البدء في بيان مذهب السلف في هذا الموضوع، أرى من الضرورة بيان الفرق بين الصغائر والكبائر، فأقول وبالله التوفيق:
إن جماهير الأمة من السلف والخلف، من جميع الطوائف قد ذهبوا إلى انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر. وقد تظاهر على ذلك دلائل من الكتاب والسنة، واستعمال سلف الأمة وخلفها. ولا شك أن هذين الصنفين من المعاصي بينهما فارق لا يمكن إنكاره، ولا شك أيضاً أن المخالفة لأوامر الله تعالى ونواهيه، قبيحة جداً، بالنسبة إلى عظمة الباري جل جلاله، ولكن بعضها أعظم قبحاً من البعض الآخر، وتنقسم بهذا الاعتبار إلى ما تكفره الصلوات الخمس، أو صوم رمضان، أو الحج، أو العمرة، أو الوضوء، أو صوم عاشوراء، أو فعل الحسنة، أو غير ذلك مما وردت به الأحاديث الصحيحة المذكورة في مصادرها، وإلى ما لا يكفره شيئ من ذلك. فما يمكن تكفيره بمثل هذه الأعمال فهو من الصغائر وما لا يمكن تكفيره من الكبائر.
ولكن هذا لا يُخرج الصغائر عن كونها قبيحة بالنسبة إلى جلال الله تعالى، فإنه صغيرة بالنسبة إلى ما فوقها لكونها أقلّ قبحاً، ولكون تكفيرها سهلاً ميسوراً.
وإذا ثبت انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر، فقد اختلف العلماء في