ذلك لِشكِّ موسى عليه السلام في خبر الله لكن المخبَر وإن جزم بصدق المخبِر، فقد لا يتصور المخبَر به، وإن كان مصدِّقاً به. ومعلوم أنه عند المعاينة، يحصل له من تصور المخبَر به، ما لم يكن عند الخبر، فهذا التصديق أكمل من ذلك التصديق.
الخامس: أن أعمال القلوب، مثل محبة الله ورسوله، وخشية الله تعالى ورجائه، ونحو ذلك، هي كلها من الإيمان، كما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفاق السلف، وهذه يتفاضل الناس فيها تفاضلاً عظيماً.
السادس: أن الأعمال الظاهرة مع الباطنة، هي أيضاً من الإيمان، والناس يتفاضلون فيها.
السابع: ذكر الإنسان بقلبه ما أُمر به، واستحضاره، بحيث لا يكون غافلاً عنه، أكمل ممن صدَّق به وغفل عنه، فإن الغفلة تضاد كمال العلم، والتصديق، والذكر، والاستحضار يكمل العلم اليقين. ولهذا قال عمير بن حبيب كما تقدم: " إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحناه فتلك زيادته، وإذا أغفلنا ونسينا وضيَّعنا فتلك نقصانه ".
الثامن: أن الإنسان قد يكون مُكذِّباً ومُنكِراً لأمور لا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بها، وأمر بها، ولو علم ذلك لم يكذِّب، ولم ينكر، بل قلبه جازم بأنه لا يخبر إلا بصدق، ولا يأمر إلا بحق، ثم يسمع الآية أو الحديث، أو يتدبر ذلك، أو يفسر له معناه، أو يظهر له ذلك بوجه من الوجوه، فيصدِّق بما كان مكذِّباً به، ويعرف ما كان مُنكِراً، وهذا تصديق جديد، وإيمان جديد ازداد به إيمانه، ولم يكن قبل ذلك كافراً بل جاهلاً. وهذا وإن أشبَه المجمل والمفصل لكون قلبه سليماً عن تكذيب وتصديق لشيئ من التفاصيل، وعن معرفة وإنكار لشيئ من ذلك، فيأتيه التفصيل بعد الإجمال على قلب ساذج. وأما كثير من الناس، بل من أهل العلوم والعبادات، فيقوم بقلوبهم من التفصيل أمور كثيرة تخالف