الخوارج والمعتزلة طردوا هذا الأصل الفاسد، وقالوا: لا يجتمع في الشخص الواحد طاعة يستحق بها الثواب، ومعصية يستحق بها العقاب، ولا يكون الشخص الواحد محموداً من وحه، مذموماً من وجه، ولا محبوباً مدعواً له من وجه مسخوطاً ملعوناً من وجه. ولا يتصور أن الشخص الواحد يدخل الجنة والنار جميعاً عندهم، بل من دخل إحداهما لم يدخل الآخرى، ولهذا أنكروا خروج أحد من النار أو الشفاعة في أحد من أهل النار، وحُكي عن غالية المرجئة أنهم وافقوهم على هذا الأصل، لكن هؤلاء قالوا: إن أهل الكبائر يدخلون الجنة، ولا يدخلون النار، مقابلة أولئك " [1].
فإذاً هذه الطوائف الثلاث اتفقت على عدم اجتماع الإيمان والنفاق من الشخص الواحد وعلى عدم دخوله النار والخروج منها إلى الجنة، بل إذا دخل واحدة منها فإنه لا يخرج منها أبداً، والمرجئة تقول: إنه يدخل الجنة ابتداءً ولا يدخل النار، لأنه عندهم مؤمن كامل الإيمان. وقد تقدم تفصيل موقف كل طائفة عند بيان مذهبها.
والآن لنبدأ ببيان موقف السلف من مذهب المرجئة.
موقف السلف من المرجئة:
المرجئة ـ كما عرفنا ـ ترى أن المؤمن العاصي كامل الإيمان فلا يؤثر عصيانه في إيمانه بالنقصان، وهو من أهل الجنة ابتداءً.
وقد أنكر السلف هذا المذهب، وشنَّعوا على أهله تشنيعاً بليغاً، لأنه يخالف كتاب الله وسنة رسوله. حيث قالوا بأن العاصي ناقص الإيمان، ولولا ذلك ما عُذب، كما أنه ناقص البر والتقوى باتفاق المسلمين، وهل يُطلق عليه اسم المؤمن؟ هذا فيه القولان والصحيح التفصيل، فإذا سئل عن أحكام الدنيا كعتقه في الكفارة، قيل: هو مؤمن، وكذلك إذا سئل عن دخوله في خطاب المؤمنين. [1] انظر: كتاب الإيمان لابن تيمية، ص301.