أحدهما: القول بأن الإيمان إذا ذهب بعضه، ذهب كله.
وقد منع السلف صحة هذا الرأي، وقالوا بأن هذا هو الأصل الذي تفرعت عنه البدع في الإيمان، فإن أصحابه ظنوا أنه متى ذهب بعضه ذهب كله ولم يبق منه شيئ. وهذا هو ما ذهب إليه المعتزلة والخوارج القائلون بأن الإيمان هو مجموع ما أمر الله به ورسوله، وهو الإيمان المطلق كما قاله أهل الحديث، قالوا: فإذا ذهب شيئ منه لم يبق مع صاحبه من الإيمان شيئ فيخلد في النار.
ثانيهما: قول المرجئة على اختلاف فرقهم: لا تُذهب الكبائر وترك الواجبات الظاهرة منه شيئ، إذ لو ذهب شيئ منه لم يبق منه شيئ، فيكون شيئاً واحداً يستوي فيه البر والفاجر.
وقد ذكر هذين الموقفين شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ[1] ثم ذكر بعد ذلك أن النصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه تدل على ذهاب بعضه وبقاء بعضه، كقوله صلى الله عليه وسلم: " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان " ولهذا كان أهل السنة والحديث على أنه يتفاضل [2].
وقد ثبت لفظ الزيادة والنقصان منه عن الصحابة، ولم يعرف فيه مخالف منهم، فروى الناس من وجوه كثيرة مشهورة عن حماد بن سلمة عن أبي جعفر، عن جده عمير بن حبيب الخطمي، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الإيمان يزيد وينقص، قيل له: وما زيادته وما نقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله وحمدناه وسبحانه، فتلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا فتلك نقصانه [3]. وغير ذلك من الآثار الواردة عن الصحابة فإذا كان هذا هو فهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يوجد بينهم مخالف في ذلك إذ لو وجد لَوصلنا وعرفناه، وما داموا عاصروا نزول الوحي، فهم ولا شك أعرف منا [1] انظر: كتاب الإيمان، ص186. [2] المصدر نفسه. [3] المصدر نفسه.