تعالى: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} دل على قبوله لهما بالوجه الأول [1].
هذا ما ارتضاه صاحب ((المواقف)) ، وقد رد على من قال من أصحابه بأن الإيمان ـ الذي هو التصديق عندهم لا يزيد ولا ينقص بقوله: قولكم الواجب اليقين والتفاوت لا يكون إلا لاحتمال النقيض ـ قلنا لا نسلم أن التفاوت لذلك الاحتمال فقط، إذ يجوز أن يكون بالقوة والضعف بلا احتمال للنقيض ـ ثم ذلك الذي ذكرتموه يقتضي أن يكون إيمان النبي صلى الله عليه وسلم وآحاد الأمة سواء، وأنه باطل إجماعاً. ولقول إبراهيم عليه السلام: {وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} فإنه يدل على قبول التصديق اليقيني للزيادة كما سلف تقريره والظاهر أن الظن الغالب الذي لا يخطر معه احتمال النقيض بالبال حكم حكم اليقين، في كونه إيماناً حقيقياً، فإن إيمان أكثر العوام من هذا القيبل، وعلى هذا فكون التصديق الإيماني قابلاً للزيادة واضح وضوحاً تاماً [2].
وقد ذكر تاج الدين السبكي أن هناك جماعة قالوا بأن الإيمان هو التصديق، ومع ذلك قالوا أيضاً بأنه يزيد وينقص، وأنهم إنما ذهبوا هذا المذهب ليجمعوا بين كلام السلف القائلين بأن الإيمان يتجزأ وما أنكروا أن يكون تصديقاً، وبين قول أبي الحسن الأشعري القائل بأنه التصديق فقط، وما أنكر أن يصح تجزؤه فجمعوا بين الأمرين بأن قالوا: نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص، والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته وهي الأعمال ونقصانها، وقالوا: إن في هذا توفيقاً بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة، وأقاويل السلف وبين أصل وضعه في اللغة وما عليه المتكلمون، وممن قال بهذا الرأي من متكلمي الأشاعرة الآمدي في كتابه ((أبكار الأفكار)) [3]. [1] المواقف بشرح الجرجاني،ج8 ص331، ط مطبعة السعادة، مصر، سنة 1325هـ ـ 1907م. [2] المصدر السابق نفسه. [3] انظر: طبقات الشافعية لتاج الدين السبكي، بتحقيق محمود محمد الطناحي، وعبد الفتاح محمد الحلو، ج1 ص131-132، ط1 مطبعة عيسى الحلبي، سنة 1383هـ ـ 1964م، وشرح صحيح مسلم للإمام النووي، ج1 ص148، ط المطبعة المصرية ومكتبتها، بدون تاريخ.