باقٍ أبداً لا يزول حكمه، إلا أن يرتد عنه، فحينئذٍ يزول حكمه. وقالوا: إن الزنديق أو المنافق إذا قال بلسانه لا إله إلا الله وفي قلبه النفاق والزندقة فهو مؤمن حقاً، وإيمانه كإيمان جبريل، وميكائيل، وجميع الأنبياء والأولياء[1].
فمن النصوص سالفة الذكر عن مذهب الكرامية، نرى أنها تعتقد إيمان المنافق وغيره من كل من خالف باطنه ظاهره، وأنهم مؤمنون حقاً، إذا شهدوا أن لا إله إلا الله بألسنتهم، حتى وإن أشركوا معه غيره في عبادته، أو فعلوا ما فعلوا من المخالفات مهما كان نوعها. غير أن ما ذكره الإسفرائيني من أن الكرامية تقصد بالقول، ذلك الميثاق الذي أخذه الله على ذرية آدم حين بعثهم في عالم الذرِّ محل نظر، لأن هذا يقتضي أن يكون جميع الناس مؤمنين ما لم ينطقوا بالكفر، والكرامية إنما قالت أن من شهد بلسانه أن لا إله إلا الله ظاهراً الآن هو المؤمن، ولم تكتف بالقول السابق في عالم الذرِّ.
ونفهم مما تقدم أيضاً أن الكرامية لا تشترط للإيمان موافقة الظاهر للباطن. ومن أقر بلسانه فهو في الإيمان مع الأنبياء والملائكة وغيرهم درجة واحدة، بمعنى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص.
إلا أن شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بين مذهب هذه الفرقة على نحو آخر فقال: والكرامية يقولون: المنافق مؤمن، وهو مخلد في النار، لأنه آمن ظاهراً لا باطناً، وإنما يدخل الجنة، من آمن ظاهراً وباطناً … والكرامية توافق المرجئة والجهمية في أن إيمان الناس كلهم سواء، ولا يستثنون في الإيمان، بل يقولون هو مؤمن حقاً، لمن أظهر الإيمان، وإذا كان منافقاً فهو مخلد في النار عندهم، فإنه إنما يدخل الجنة من آمن باطناً وظاهراً، ومن حكى عنهم أنهم يقولون: المنافق يدخل الجنة، فقد كذب عليهم، بل يقولون المنافق مؤمن، لأن الإيمان هو القول [1] التبصير في الدين للإسفرائيني، تحيق محمد زاهد الكوثري، ص69، ط1 مطبعة الأنوار سنة 1359هـ ـ 1940م.