وقال القرطبي أثناء شرحه لحديث: «إن من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل» : وأما قلة العلم وكثرة الجهل فذلك شائع في جميع البلاد ذائع، أعني برفع العلم وقلته: ترك العمل به [1] .
وقال ابن حجر: قيل: إن المراد نقص علم كل عالم بأن يطرأ عليه النسيان مثلا، وقيل: نقص العلم بموت أهله، فكلما مات عالم ولم يخلفه غيره نقص العلم من تلك البلد [2] .
وقد ورد ما يدل على أن المراد برفع العلم وكثرة الجهل: موت العلماء فلا يبقى إلا الجهال الذين يتخذهم الناس رؤساء فيضلوا ويضلوا غيرهم، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» [3] .
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: «لما كان في حجة الوداع؛ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ مردف الفضل بن عباس على جمل آدم، فقال: " يا أيها الناس خذوا من العلم قبل أن يقبض العلم وقبل أن يرفع العلم "، وقد كان أنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: 101] [4] . قال: فكنا قد كرهنا كثيرا من مسألته واتقينا ذلك حين أنزل الله ذلك على نبيه صلى الله عليه وسلم. قال: فأتينا أعرابيا، فرشوناه بردا، فاعتم به، حتى رأيت حاشيته خارجة من [1] التذكرة ص (748 - 749) . [2] فتح الباري (13 / 17) . [3] أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب العلم (1 / 34) ، ومسلم في صحيحه: كتاب العلم (4 / 2053) . [4] سورة المائدة، الآية: 101.