القيمة، كما شاهدوا سيرة الدولة السعودية إذ ذاك، وما هي عليه من الاعتصام بالكتاب والسنة، ونشر الأمن والعدل والإنصاف.
فتأثر بعض الحجاج بدعوة الشيخ، فأخذ ينشر في بلاده التوحيد، ويحارب الخرافات الشائعات في بلاده، كما قام بصد القبوريين والداعين إلى تقديس القبور، وبناء القباب عليها، فانتقلت هذه المبادئ الإصلاحية إلى السودان في إفريقيا، وسومطرة في آسيا والهند، كما انتشرت في العراق والشام ومصر والجزائر وجاوة وعمان وفارس، وكان هدف رعاتها في كل مكان تحل به هو محاربة الفساد، والقضاء على البدع والخرافات، وتصحيح العقيدة الدينية " [1] .
ويقول الأستاذ أمين سعيد في وصف الأثر الطيب للدعوة: " وحققت الدعوة لنجد آمالها، وقد بدأت في محيطها أول ما بدأت، فأنشأت لها مجتمعا إسلاميا سليما، يؤمن بالتوحيد، ويعظم شأنه، ويسير على هداه، ولا يدعو مع الله أحدا، ولا يزال هذا حاله، لم يتبدل ولم يتغير منذ عهد الشيخ حتى يومنا هذا، فهو يصدع بالحق ويؤمن به.
وانبثق عن هذا المجتمع دولة عربية كريمة، نشأت في ظل الدعوة وآمنت بها، فكانت أول دولة عربية كبرى يؤسسها العرب في داخل جزيرتهم بعد دولة الخلفاء الراشدين، فاتبعت طريقهم، وترسمت خطاهم، فسادت وشادت ووسعت حدودها، وضمت إليها قطر الحجاز وبلاد عسير وتهامة، ودقت أبواب العراق واكتسحت حدوده، وبلغت مشارف الشام وامتلكت بعض أجزائه، ووضعت يدها على الضفة الغربية للخليج (الخليج العربي) ، وتمتد من المحيط الهندي جنوبا إلى شط العرب شمالا، ولا يقل طولها عن ألف ميل، فزينت راية التوحيد شطآنها، ورفرفت على ربوعها.
وانتشرت الدعوة في بلاد العرب وبلاد الشام، وسرى نورها في أرجائها، فأقبل عليها الكثيرون، وأخذوا بها، وتفاعلوا معها، واستجابوا لها، فكانت الأم الكبرى لهذه النهضات التي تعم بلاد العرب وبلاد المسلمين، وتعم الشعوب العربية والشعوب الإسلامية، فأحيت ميت الهمم، وأيقظت خامد النفوس. [1] الشيخ محمد بن عبد الوهاب لأحمد أبو طامى (74 - 77) ط (2) .