لكني بينت للناس: إخلاص الدين لله، ونهيتهم عن دعوة الأنبياء والأموات، من الصالحين، وغيرهم، وعن إشراكهم فيما يُعبد الله به، من الذبح، والنذر، والتوكل، والسجود، وغير ذلك مما هو حق الله، الذي لا يشركه فيه ملك مقرب، ولا نبي مرسل؛ وهو الذي دعت إليه الرسل، من أولهم إلى آخرهم؛ وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة.
وأنا صاحب منصب في قريتي، مسموع الكلمة، فأنكر هذا بعض الرؤساء؛ لكونه خالف عادة نشؤوا عليها؛ وأيضاً: ألزمت من تحت يدي، بإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وغير ذلك من فرائض الله؛ ونهيتهم عن الربا، وشرب المسكر، وأنواع من المنكرات، فلم يمكن الرؤساء القدح في هذا وعيبه؛ لكونه مستحسنًا عند العوام، فجعلوا قدحهم، وعداوتهم فيما آمر به من التوحيد، وما نهيتهم عنه من الشرك، ولبَّسوا على العوام: أن هذا خلاف ما عليه الناس، وكبرت الفتنة جدًّا، وأجلبوا علينا بخيل الشيطان، ورجله» .
إلى أن قال: «فلما جرى في هذه الأمة، ما أخبر به نبيها صلى الله عليه وسلم حيث قال: «لتتبعن سنن من كان من قبلكم، حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» [1] وكان من قبلهم، كما ذكر الله عنهم: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31] [سورة التوبة، آية: 31] ، وصار ناس من الضالين: يدعون أناسًا من الصالحين، في الشدة والرخاء؛ مثل: عبد القادر الجيلاني، وأحمد البدوي، وعدي بن مسافر، وأمثالهم من أهل العبادة والصلاح، صاح عليهم: أهل العلم، من جميع الطوائف؛ أعني: على الداعي؛ وأما الصالحون، الذين يكرهون ذلك فحاشاهم.
وبيَّن أهل العلم: أن هذا هو الشرك الأكبر، عبادة الأصنام» .
إلى أن قال: «فبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين إبراهيم، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد: محض حق الله تعالى، لا يصلح منه شيء لا لملك مقرب، ولا نبي مرسل، فضلاً عن غيرهما؛ وإلا فهؤلاء المشركون: يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له، وأنه لا يخلق، ولا يرزق إلا هو؛ ولا يحيي، ولا يميت إلا هو؛ ولا يدبر الأمر إلا هو؛ وأن [1] رواه البخاري برقم (3456) ، ومسلم (2669) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. ولفظه عندهما «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعًا بذراع» ، وأما لفظ «حذو القذة بالقذة» فقد أخرجه أحمد في المسند (4) .