الواجب اتباع عادة الزمان التي أدركنا الناس عليها، ولو خالفت ما ذكره العلماء في جميع كتبهم، وإنما ذكرت هذا ولو كان واضحًا لأن بعض المسائل التي ذكرت أنا قلتها لكن هي موافقة لما ذكره العلماء في كتبهم، الحنابلة وغيرهم.
ولكن هي مخالفة لعادة الناس التي نشأوا عليها فأنكرها عليّ لأجل مخالفة العادة وإلا فقد رأوا تلك في كتبهم عيانا، وأقروا بها وشهدوا أن كلامي هو الحق لكن أصابهم ما أصاب الذين قال الله فيهم {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] [سورة البقرة، آية: 89] .
وهذا هو ما نحن فيه بعينه، فإن الذي راسلكم هو عدو الله ابن سحيم، وقد بينت ذلك له فأقر به، وعندنا كتب يده في رسائل متعددة أن هذا هو الحق، وأقام على ذلك سنين، لكن أنكر آخر الأمر لأسباب أعظمها البغي أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده.
وذلك أن العامة قالوا له ولأمثاله إذا كان هذا هو الحق فلأي شيء لم تنهونا عن عبادة شمسان وأمثاله، فتعذروا: أنكم ما سألتمونا، قالوا: وإن لم نسألكم كيف نشرك بالله عندكم ولا تنصحونا، وظنوا أن يأتيهم في هذا غضاضة وأن فيه شرفًا لغيره، وأيضًا لما أنكرنا عليهم أكل السحت والرشا [1] إلى غير ذلك من الأمور، فقام يدجل عندكم وعند غيركم بالبهتان والله ناصر دينه ولو كره المشركون.
وأنت لا تستهون مخالفة العادة على العلماء فضلًا عن العوام، وأنا أضرب لك مثلًا بمسألة واحدة وهي مسألة الاستجمار ثلاثًا فصاعدًا غير عظم ولا روث، وهو كاف مع وجود الماء عند الأئمة الأربعة وغيرهم، وهو إجماع الأمة لا خلاف في ذلك، ومع هذا لو يفعله أحد لصار هذا عند الناس أمرًا عظيماً، ولنهوا عن الصلاة خلفه، وبدّعوه مع إقرارهم بذلك ولكن لأجل العادة.
إذا تبين هذا فالمسائل التي شنع بها منها: ما هو من البهتان الظاهر وهي قوله:
إني مبطل كتب المذاهب.
وقوله: إني أقول إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء.
وقوله: إني أدعي الاجتهاد. [1] يعني: الرشوة.