أقرن، يحمل على رأسه من قرنيه العظيمين شجرة السنين، وقد انتهى سِمَنه حتى ضاق جلده بلحمه، وسَحَّ بدنه بالشحم سَحًّا، فإذا تحرك خلته سحابة يضطرب بعضها في بعض، ويهتز شيء منها في شيء؛ وله وَافِرة[1] يجرها خلفه جرا، فإذا رأيتها من بعيد حسبتها حملًا يتبع أباه؛ وهو أصوف، قد سبغ صوفه واستكثف وتراكم عليه، فإذا مشى تبختر فيه تبختر الغانية في حُلَّتها، كأنما يشعر مثل شعورها أنه يلبس مسرات جسمه لا ثوب جسمه؛ وهو من اجتماع قوته وجبروته أشبه بالقلعة، ويعلوها من هامته كالبرج الحربي فيه مدفعان بارزان, وتراه أبدًا مُصَعِّرًا خدًّا كأنه أمير من الأبطال، إذا جلس حيث كان شعر أنه جالس في أمره ونهيه، لا يخرج أحد من نهيه ولا أمره.
وأما الآخر فهو جَذَع في رأس الحول الأول من مولده، لم يدرك بعد أن يُضحَّى، ولكن جيء به للقَرَم إلى لحمه الغض؛ فالأول أضحية وهذا أَكُولة؛ وذاك يتصدق بلحمه كله على الفقراء، وهذا يتصدق بثلثيه ويبقى الثلث طعامًا لأهل الدار.
وكان في لينه وترجرجه وظرف تكوينه ومرح طبعه، كأنما يصور لك المرأة آنسة رقيقة متوددة. أما ذاك الضخم العاتي المتجبر الشامخ، فهو صورة الرجل الوحشي أخرجته الغابة التي تخرج الأسد والحية وجذوع الدوحة الضخمة، وجعلت فيه من كل شيء منها شيئًا يخاف ويتقى.
وكان الجذع يثغو لا ينقطع ثُغاؤه، فقد أخذ من قطيعه انتزاعًا فأحس الوحشة، وتنبهت فيه غريزة الخوف من الذئب، فزادته إلى الوحشة قلقًا واضطرابًا، وكان لا يستطيع أن ينفلت، فهو كأنما يهرب في الصوت ويعدو فيه عدوًا.
أما الكبش فيرى مثل هذا مسبة لقرنيه العظيمين، وهو إذا كان في القطيع كان كبشه وحاميه والمقدم فيه، فيكون القطيع معه وفي كنفه ولا يكون هو عند نفسه مع القطيع؛ فإذا فقد جماعته لم يكن في منزلة المنتظر أن يلحق بغيره ليحتمي به فيقلق ويضطرب، ولكنه في منزلة المرتقب أن يلحق به غيره طلبًا لحمايته وذماره، فهو ساكن رابط الجأش مغتبط النفس، كأنما يتصدق بالانتظار.
فلما أدبر النهار وأقبل الليل، جيء للخروفين بالكلأ من هذا البرسيم يعتلفانه، فأحس الكبش أن في الكلأ شيئًا لم يدر ما هو، وانقبضت نفسه لما كانت [1] ألية عظيمة, ويقال: كبش أليان, إذا كان عظيم الألية.