responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مقامات بديع الزمان الهمذاني المؤلف : الهمذاني، بديع الزمان    الجزء : 1  صفحة : 356
إِلَى القَوْمِ بِالْمَنِّ وَالرَّطْلِ، وَيَصْرِفَ لَهُمْ، وَأَنَا أُبَخِّرُ بَيْنَ أَيْدِيِهِمْ النَّدَّ وَالعُودَ وَالعَنْبَرَ، فَمَا مَضَتْ سَاعَةٌ إِلاَّ وَهُمْ مِنَ السُّكْرِ أَمْوَاتُ لاَ يَعْقِلُونَ وَوَافَانَا غِلْمَانُهُمْ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِدَابَّةٍ أَوْ حِمارٍ أَوْ بَغْلَةٍ، فَعَرَّفْتُهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدِي الَّلْيلَةَ بَائِتُونَ، فَانْصَرَفُوا، وَوَجَّهْتُ إِلى بِلاَلٍ المُزَيِّنِ فَأَحْضَرْتُهُ، وَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ طَعَاماً فَأَكَلَ، وَسَقَيْتُهُ مِنَ
الشَّرَابِ القُطْرُ بُّلىً، فَشَرِبَ حَتَّى ثَمِلَ، وَجَعَلْتُ فِي فِيهِ دِينَارَيْنِ أَحْمَرَينِ، وَقُلْتُ: شَأْنَكَ وَالقَوْمَ، فَحَلَقَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ لِحْيَةً، فَصَارَ القَوْمُ جُرْداً مُرْداً، كَأَهْلِ الجَنَّةِ، وَجَعَلْتُ لِحْيَةَ كُلَِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَصْرُورَةً فِي ثَوْبِهِ، وَمَعْهَا رُقْعَةٌ مَكْتُوبٌ فِيهَا: " مَنْ أَضْمَرَ بِصَدِيقِهِ الغَدْرَ وَتَرْكَ الوَفَاءِ، كَانَ هَذَا مُكَاَفأَتَهُ وَالجَزَاءَ ". وَجَعَلْتُهَا فِي جَيْبِهِ، وَشَدَدْنَاهُمْ فِي الصِّنَانِ، وَوَافَى الحَمَّالُونَ عِشَاءَ الآخِرَةِ، فَحَمَلُوهُمْ بِكَرَّةٍ خَاسِرَةٍ، فَحَصَلُوا فِي مَنَازِلِهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحُوا رَأَوْا فِي نُفُوسِهِمْ هَمَّاً عَظِيماً، لا يَخْرُجُ مِنْهُمْ تَاجِرٌ إِلَى دُكَّانِهِ، وَلا كَاتِبٌ إِلَى دِيَوَانِهِ، وَلا يَظْهَرُ لإِخْوانِهِ، فَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ يَأْتِي خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ خَوَلِهِمْ، وَمِنْ نِسَاءٍ وَغِلْمَانٍ وَرِجَالٍ يَشْتِمُونَنِي وَيُزَنُّونَنِي، وَيَسْتَحْكِمُونَ اللهَ عَليَّ، وَأَنَا سَاكِتٌ لا أَرْدُّ عَلَيهِمْ جَوَاباً، وَلَمْ أَعْبَأُ بِمَقَالِهِمْ، وَشَاعَ الخَبَرُ بِمَدِينَةِ السَّلامِ بِفُعْلِي مَعَهُمْ، وَلَمْ يَزَلِ الأَمُرُ يَزْدَادُ حَتَّى بَلَغَ الوَزِيرَ القَاسِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللُه. وَذَلِكَ أَنَّهُ طَلَبَ كَاتِباً لَهُ فَافْتَقَدَهُ، فَقِيلَ: إِنَّهُ فِي مَنْزِلِهِ لا يَقْدِرُ عَلى الخُرُوجِ، قَالَ: وَلِمَ؟ قِيلَ: مِنْ أَجْلِ مَا صَنَعَ أَبُو العَنْبَسِ؛ لأَنَّهُ كَانَ امْتُحِنَ بِعِشْرَتِهِ وَمُنَادَمَتِهِ، فَضَحِكَ حَتَّى كَادَ يُبَوِلُ فِي سَرَاوِيلِهِ أَوْ بَالَ، واللهُ أَعْلَمْ. ثُمَّ قَالَ: واللهِ لَقَدْ أَصَابَ وَمَا أَخْطَأَ فِيمَا فَعَلَ، ذَرُوهُ فَإِنَّهُ أَعْلَمِ النَّاسِ بِهِمْ، ثُمَّ وَجَّهَ إِلَيَّ خِلْعَةً سَنِيَّةً، وَقَادَ فَرَساً بِمَرْكَبٍ، وَحَمَلَ إِلَيَّ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، لاسْتِحْسَانِهِ فِعْلِي، وَمَكَثْتُ فَي مَنْزِلِي شَهْرَيْنِ أُنْفِقُ وَآكلُ وَأَشْرَبُ، ثُمًّ ظَهَرْتُ بَعْدَ الاسْتِتَارِ، فَصَالَحَنِي بَعْضُهُمْ لِعِلْمِهِ بِمَا صَنَعَ الوَِزيرُ، وَحَلَفَ بَعْضُهُمْ بِالطَّلاَقِ الثَّلاَثِ وَبِعِتْقِ غِلْمَانِهِ وَجَوَارِيهِ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُنيِ مِنْ رَأْسِهِ أَبَداً، فَلا واللهِ العَظِيمِ شَانُهُ، العَلِيِّ بُرْهَانَهُ، مَا اكْتَرَثْتُ بِذَلِكَ، وَلا بَالَيْتُ، وَلا حُكَّ أَصْلُ أُذُنِي، وَلا أَوْجَعَ بَطْنِي، وَلا صَرَّنِي، بَلْ سَرَّنِي، وَإِنَّمَا كانَتْ حَاجَةٌ فِي نَفْسِ يَعْقوبَ قَضَاهَا. ْرُ بُّلىً، فَشَرِبَ حَتَّى ثَمِلَ، وَجَعَلْتُ فِي فِيهِ دِينَارَيْنِ أَحْمَرَينِ، وَقُلْتُ: شَأْنَكَ وَالقَوْمَ، فَحَلَقَ فِي سَاعَةٍ

اسم الکتاب : مقامات بديع الزمان الهمذاني المؤلف : الهمذاني، بديع الزمان    الجزء : 1  صفحة : 356
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست