اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السكاكي الجزء : 1 صفحة : 579
تجازفوا فالمروج كما لا يخفى وإن صادف الشمل سكرى تدير عليهم الغباوة كؤوسها وجثثا تغرز في سنة من الغفلة رءوسها يحتاط فيما يتعمد رواجه عليهم لا يألوا فيه تهذيبا وتنقيحا فكيف إذا صادفه مشتملا على إيقاظ متفطنين لا يبارون قوة ذكائه وإصابة حدس وحدة ألمعية وصدق فراسة يخبرون عن الغائب بقوة ذكائهم كأن قد شاهدوه يصف لهم الحدس الصائب حال الورد قبل أن يردوه ويثبتون أبعد شيء بحدة ألمعيتهم كأن ليس ببعيد وينظم لهم المجهول صدق فراستهم في سلك المعروف منذ زمان مديد كما يحكى أن سليمان بن عبد الملك أتى بأسارى من الروم وكان الفرزدق حاضرا فأمره سليمان بضرب واحد واحد منهم فاستعفى فما أعفى وقد أشير على سيف غير صالح للضرب ليستعمله فقال الفرزدق بل أضرب بسيف أبي رغوان مجاشع: يعني سيفه وكأنه قال لا يستعمل ذلك السيف إلا ظالم أو ابن ظالم ثم ضرب بسيفه الرومي واتفق أن نبا السيف فضحك سليمان ومن حوله فقال الفرزدق:
أيعجب الناس أن أضحكت سيدهم ... خليفة الله يستسقى به المطر
لم تنب سيفي من رعب ولا دهش ... عن الأسير ولكن أخر القدر
ولن يقدم نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصمامة الذكر
ثم أغمد سيفه وهو يقول:
ما إن يعاب سيد إذا صبا
ولا يعاب صارم إذا نبا
ولا يعاب شاعر إذا كبا
ثم جلس يقول كأني بابن المراغة قد هجاني فقال:
اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السكاكي الجزء : 1 صفحة : 579