اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السكاكي الجزء : 1 صفحة : 228
ومنها أن الكلام متى سلك به هذا المسلك لم يكن أوله مطعما في ذكر الكاتب فإذا أورد السامع فائدة ذكره كانت حاله كمن تيسر له غنيمة من حيث لا يحتسب بخلافه في النظم. ومنها أن الكلام على ذلك النظم يكون كالمتناقض من حيث الظاهر لأن كون القرآن مفعولا فضلة فيه يكون مؤذنا بأن مساس الحاجة إليه دون مساس الحاجة إلى الفاعل وكونه مقدماً على الفاعل يكون مؤذنا بالاعتناء بشأنه وأن مساس الحاجة إليه فوق مساس الحاجة على ما أخر بخلافه في هذا النظم فإنه يكون سليما عن ذلك وفي هذا الوجه نظر يذكر في الحواشي، ومنها أن الكلام في التركيب الذي نحن فيه يفيد استنادا الكتبة على الفاعل إجمالا أولا وتفصيلا ثانيا وفي غيره يفيد استنادها إليه من وجه واحد فيكون هذا التركيب أبلغ ومن قبيل ما نحن بصدده وجعلواً لله شركاء الجن فلله شركاءهما مفعولا جعلواً وانتصاب الجن بفعل مضمر دل عليه السؤال المقدر وهو من جعلواً شركاء. وأما الحالة المقتضية لإثبات الفعل فاشتمال المقام على جهة من جهات الاستدعاء له والتلفظ به مما نبهت على أمثالها غير مرة. وأما الحالة المقتضية لتك مفعوله فهو القصد على التعميم والامتناع على أن يقصره السامع على ما يذكر معه دون غيره مع الاختصار وأنه أحد أنواع سحر الكلام حيث يتوصل بتقليل اللفظ على تكثير المعنى كقولهم: في باب المبالغة فلان يعطى ويمنع ويصل
ويقطع ويبني ويهدم ويغني ويعدم وقوله عز قائلا والله يدعو على دار السلام أو القصد على نفس الفعل بتنزيل المتعدي منزلة اللازم ذهابا في نحو فلان يعطي على معنى يفعل الإعطاء ويوجد هذه الحقيقة إيهاما للمبالغة بالطريق المذكور في إفادة اللام للاستغراق، وعليه قوله عز وجل " فلا تجعلواً لله أندادا وأنتم تعلمون " المعنى وأنتم من أهل العلم والمعرفة أو القصد على مجرد الاختصار لنيابة قرائن الأحوال عن ذكره كقوله عز وعلا أهذا الذي بعث الله رسولا إذ لا يلبس أن المراد أهذا الذي بعثه الله لاستدعاء الموصول الراجع إليه من الصلة، وقوله أرني أنظر إليك لاتضاح أن المراد أرني ذاتك، وقوله ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء لانصباب الكلام على إرادة يسقون مواشيهم وتذودان غنمهما ولا نسقي غنمنا حتى يصدر الرعاء مواشيهم وقوله " ولو شاء لهداكم أجمعين " لظهور أن المراد لو شاء هدايتكم لهداكم ولك أن تنظم قوله " فلا تجعلواً لله أندادا وأنتم تعلمون " في هذا السلك على تقدير وأنتم تعلمون أنه لا يماثل أو أنتم تعلمون ما بينه وبينها من التفاوت أو أنتم تعلمون أنها لا تفعل مثل أفعاله كقوله: هل نم شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء وأكثر فواصل القرآن من نحو يعلمون يعقلون يفقهون واردة على ما سمعت من الاحتمالين، وقول الشاعر: قطع ويبني ويهدم ويغني ويعدم وقوله عز قائلا والله يدعو على دار
اسم الکتاب : مفتاح العلوم المؤلف : السكاكي الجزء : 1 صفحة : 228