تشكو روادفك المطية فوقها ... شكوى التي وجدت هواك دخيلا
الروادف: جمع ردف، وأقامه مقام الواحد، كأنه جعل ناحية من عجزها ردفاً؛ لأنه أراد المبالغة في الثقل، أو أراد: الردف والأفخاذ.
يقول: تشكو المطية التي ركبتها ثقل ردفها وعجزها عن حملها، كما تشكو النفس التي يدخلها عشقك. والتأنيث: للنفس المضمرة، ويجوز أن يكون أتبع التأنيث المطية.
ويغيرني جذب الذمام لقلبها ... فمها إليك كطالبٍ تقبيلا
يغيرني: أي يحملن على الغيرة. والهاء في قلبها وفمها: للمطية وروى: لعطفها. والقلب: مصدر قلبت. وفمها: نصب بالمصدر. قيل: بالجذب. وقيل: بالقلب.
يقول: متى جذبت هذه المطية زمامها وقلبت رأسها مع الزمام: حملني ذلك على الغيرة؛ لأنها تتصور بصورة من يطلب تقبيلك.
حدق الحسان من الغواني هجن لي ... يوم الفراق صبابةً وغليلا
يقول: لما نظرت يوم الفراق إلى الجواري الحسان، وتأملت حسن عيونهن هيجت لي أحداقهن رقة الشوق وحرارة القلب.
حدقٌ يذم من القواتل غيرها ... بدر بن عمار بن إسماعيلا
يذم: أي يحفظ. كأنه يدخله في ذمته وجواره، وفاعله: بدر.
يقول: إن بدراً يمنع كل من استجار به من كل من يريد قتله، سوى من هذه الحدق، فإنه لا يقدر على منعها ومثله قوله:
وقي الأمير هوى العيون؛ فإنه ... ما لا يزول ببأسه وسخائه
الفارج الكرب العظام بمثلها ... والتارك الملك العزيز ذليلا
يقول: هو يكشف الأمور العظام، ويدفعها بمثلها من الأمور العظام؛ لأنه لا يزيل الكربة عن الصديق إلا بإلحاق كربةٍ مثلها بعدوه، وكذلك يترك الملك العزيز ذليلاً، لا يمكنه دفع ذلك عن نفسه ومثله قوله:
وكم ذدت عنهم ردىً بالردى ... وكشفت من كربٍ بالكرب
محكٌ إذا مطل الغريم بدينه ... جعل الحسام بما أراد كفيلا
محكٌ: أي لجوج في الخصومة. وأراد بالغريم: قرنه وبالدين: روحه.
يقول: إنه لجوج، فإذا أنال قرناً، أو طالب بدم، أو طلب ما يريد طلبه، جعل سيفه ضامناً لها حتى يؤديه إليه. أي أنه لا يحتاج لأخذه إلى الكفيل، بل يأخذه بسيفه؛ لقدرته وتمكنه.
نطقٌ إذا حط الكلام لثامه ... أعطى بمنطقه القلوب عقولا
نطقٌ: أي جيد النطق. واللثام: ما يديره الرجل من طرف عمامته على الفم، فإذا رفعه إلى الأنف لئام. وقوله: إذا حط الكلام لثامه. أي حطه ليتكلم؛ فأسند الفعل إلى سببه.
يقول: هو فصيح بليغ، فإذا حدر لثامه ليتلكم، أفاد الناس عقولاً بما ينطق من الحكم والمواعظ والأمثال.
أعدى الزمان سخاؤه فسخا به ... ولقد يكون به الزمان بخيلا
العدوى: تعدي الداء إلى ما يقاربه. والمعنى أن سخاءه أعدى إلى الزمان السخاء، فسخا به الزمان علي، وجمع بينه وبيني، وقد كان الزمان يبخل به علي فيما مضى، فلولا سخاؤه لكان لا يسخو الزمان به علي.
وقال ابن جنى: معناه أن الزمان تعلم من سخائه، فسخا بهذا الممدوح وأخرجه من القدم إلى الوجود، ولولا سخاؤه لبخل هذا الزمان به على الناس، فاستخلصه لنفسه، فهو إن كان في حال العدم لم يكن سخياً، حتى يعدى الناس سخاؤه على الزمان. ويجوز أن يوصف بذلك على معنى: أن الزمان لما علم ما يكون فيه من السخاء إذا وجد، استفاد منه ما تصور كونه بعد وجوده، ولولا علمه به لبقي بخيلاً. والشيء إذا تحقق كونه أجري عليه من أوصاف الموجود كقوله تعالى: " ونادى أصحاب الجنة ".
وكأن برقاً في متون غمامةٍ ... هنديه في كفه مسلولا
هندية: رفع لأنه خبر كأن. ومسلولاً: نصب على الحال. والهاء في هنديه: للممدوح. شبه سيفه بالبرق للمعه، وكفه بالغمامة لجودها وكرمها.
ومحل قائمه يسيل مواهباً ... لو كن سيلاً ما وجدن مسيلا
الهاء في قائمه: للهندي. ومحله: كفه. ومواهباً: نصب على التمييز. وكن: يرجع إلى المواهب.
يقول: إن المحل قائم سيفه. وهو كفه. تسيل مواهباً، ولو كانت تلك المواهب سيلاً لعمت الأرض فلم تجد مكاناً تسيل فيه، وجعل الكف تسيل بالمواهب لكونها آلة العطاء في الغالب.
رقت مضاربه فهن كأنما ... يبدين من عشق الرقاب نحولا
يقول: إن مضارب سيفه رقت، فكأنها عشقت الرقاب فنحل جسمها، ولهذا كان العشق يورث النحول. والمضارب: جمع المضرب، وهو حد السيف.