يقول: سبقت بالفضل كل سابق، فما يجاريك أحد؛ لعلمه بالقصور عنك. وجاوزت في العلو والقدر غاية لا يمكن لأحد أن يباريك في العلو والارتفاع، ويغلبك فيه.
وأقسم لو صلحت يمين شيءٍ ... لما صلح العباد له شمالا
وروى: الأنام بدل العباد.
يقول: إنك تقوم مقام الخلق كلهم وتزيد عليهم، وهم لا يقدرون على الاستقلال بما تقدر عليه وحدك؛ فضرب اليمين مثلاً للقوة والأمر العظيم الذي يحتاج فيه إلى فضل القوة، وضرب الشمال مثلاً للضعف وما لا يحتاج فيه إلى فضل القوة.
أقلب منك طرفي في سماءٍ ... وإن طلعت كواكبها خصالا
خصالا: نصب على الحال. شبهه بالسماء، وخصاله بالكواكب.
يقول: أنا أنظر منك إلى سماء من المجد، ونجوم: الخصال الجميلة.
وأعجب منك كيف قدرت تنشا ... وقد أعطيت في المهد الكمالا!
يقول: أعجب منك! كيف قدرت على أن تزيد وتنشأ شيئاً بعد شيىء، وأنت قد حويت الكمال في المهد! وهو من قوله تعالى: " وآتيناه الحكم صبياً " " قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا ".
وقال فيه ارتجالاً يمدحه. وهو على الشراب وقد صفت الفاكهة والنرجس.
إنما بدر ابن عمارٍ سحابٌ ... هطلٌ فيه ثوابٌ وعقاب
هطل: أي كثير المطر.
يقول: إن الممدوح كالسحاب الهطل، فيه شرٌّ لأعدائه وخير لأوليائه، كالسحاب الذي يرجي مطره وتخشى صواعقه.
إنما بدرٌ رزايا وعطايا ... ومنايا وطعانٌ وضراب
معناه: أنه ذو رزايا إلى آخره. وصفه بهذه الأشياء مبالغة، من حيث أن هذه الأوصاف لما كثرت منه كأنه خلق منها، كما تقول لمن كثر منه الأكل والشرب: أنت أكلٌ وشربٌ فلما كثر منه ما ذكر صار كأنه خلق منها.
ما يجيل الطرف إلا حمدته ... جهدها الأيدي وذمته الرقاب
نصب جهدها، لأنه مصدر أقيم مقام الحال: أي حمدته جاهدة جهدها. ويروى: الطرف بكسر الطاء: وهو الفرس الكريم. يعني: ما يجيل فرسه في الحرب إلا حمدته الأيدي أي أيدي جيشه ورجاله؛ لأنه يكفيها ألم الطعن والضرب والرمي، وتولى هو بنفسه ضراب أعدائه.
وقيل: أراد حمدته الأيدي في تلك الحال على بذله الأموال ونشره النوال. وتذمه الرقاب: أي تذمه رقاب أعدائه، لأنه يقطها. ومعناه أنه لا يتغير. وأراد بذلك: أن الحرب لا يشغله عن الجود. ومثله قوله:
فواهبٌ والرماح تشجره ... وطاعنٌ والهبات متصله
وقد يروى: ما يجيل الطرف بفتح الطاء: أي أنه في كل لمحة يجيل طرفه فينعم على قوم ويضرب رقاب قوم، فالأيدي تحمده على العطاء والرقاب تذمه على قطعها.
ما به قتل أعاديه ولكن ... يتقي إخلاف ما ترجو الذئاب
يقول: إنه ليس يقتل أعداءه خوفاً منهم، وما به حاجة إلى قتلهم؛ لأنهم عجزوا عنه، ولكنه عود إنالة جوده وعطائه كل شيء، حتى الذئاب، فإن عز إطعام لحوم القتلى، فيكره إخلاف ما عوده؛ لألأ يخيب رجاء الذئاب ومثله قوله:
سفك الدماء بجوده لا بأسه ... كرماً لأن الطير بعض عياله
فله هيبة من لا يترجى ... وله جود مرجىً لا يهاب
لا يترجى: أي لا يرجى.
يقول: إنه عظيم الهيبة واسع الجود، فمن يهابه لا يرجو عفوه، لشدة سطوته وعظم هيبته، ومن يرجوه لا يخاف سطوته لسبق جوده وعظم كرمه؛ لأنه يضع كلاً موضعه، فالمسيء لا يرجو رضاه والمحسن لا يخاف سخطه.
طاعن الفرسان في الأحداق شزراً ... وعجاج الحرب للشمس نقاب
شزراً: أي يميناً وشمالاً، وقيل: هو الذي أريد به أعلى الصدر.
يقول: هو يطعن الفرسان في أحداقهم حين تشتد الحرب ويرتفع الغبار، وتصير الشمس من كثرة الغبار مستترة، فكأن الغبار نقاب للشمس.
وتخصيص الأحداق بالطعن؛ بيان لحذقه بالطعن، وثبات قلبه، وأنه يهتدي في مثل هذا الخوف والظلمة إلى الأحداق، أو إشارة إلى أن سائر الأبدان مغطاة بالسلاح، سوى الأحداق.
باعث النفس على الهول الذي ... ما لنفسٍ وقعت فيه إياب
الهاء في فيه: للهول.
يقول: إنه يطرح نفسه ويحملها على أمر مهول، بحيث أن من وقع فيه لم يسلم منه، ولا ترجع نفس وقعت في ل الأمر المهول. يصفه بالشجاعة والإقدام ومثله قوله:
وأورد نفسي والمهند في يدي ... موارد لا يصدرن من لا يجالد
بأبي ريحك لا نرجساً ذا ... وأحاديثك لا هذا الشراب