بدت قمراً، ومالت خوط بانٍ، ... وفاحت عنبراً، ورنت غزالا
رنت: نظرت. ونصب قمراً وما بعده: على الحال، لأنه أقام اسم الجنس مقام الصفة، فإذا جاز أن يكون صفة، جاز أن يكون حالاً.
ومعناه: بدت منيرةً كالقمر. أي وجهها. ومالت لينة الأعطاف كالغصن: وأراد به القامة. وفاحت زكية كالعنبر، ورنت كحلاء الجفون كالغزال. ومثل هذا قول بعض المتأخرين وهو قوله:
سفرن بدوراً، وانتقبن أهلةً ... وفحن عبيراً والتفتن جآذرا
كأن الحزن مشغوفٌ بقلبي ... فساعة هجرها تجد الوصالا
مشغوف: أي ممتلىء، من شغفه الحب إذا ملأه. والهاء في هجرها للمحبوبة.
يقول: إنها كلما هجرتني واصلني الحزن، فكأنه عاشقٌ لقلبي، كما أعشقها، فلا يجد الحزن سبيلاً إلى قلبي إلا عند هجرانها، فمتى هجرتني واصلني الحزن والكمد.
كذا الدنيا على من كان قبلي ... صروفٌ لم يدمن عليه حالا
روى: يدمن فيكون حالاً منصوباً به. وروى: يدمن. وحالاً: نصب على التمييز. أي لم تزل الدنيا على هذه الحال مذ كانت، لا تثبت صروفها على حالٍ واحد.
يقول: كما أنها لا تدوم لي على حالة واحدة، فكذلك كان حالها مع غيري من الناس الذين قبلي.
أشد الغم عندي في سرور ... تيقن عنه صاحبه انتقالا
وروى: أشد الغم في الدنيا سرور. والهاء في عنه: للسرور. وكذلك في صاحبه.
يقول: لا أغتر لسرور الدنيا؛ لعلمي بزوالها، فكل سرور يتيقن صاحبه زواله عنه، فهو أشد الغم عندي؛ لأن العاقل لا يفرح بما تئول عاقبته إلى الحزن والزوال.
ألفت ترحلي وجعلت أرضي ... قتودي والغريري الجلالا
القتود: خشب الرحل. والغريري: فحلٌ منسوب إلى غرير والجلال: مبالغة في الجليل، وهو عظيم الجسم.
يقول: ألفت الرحيل، وجعلت أرضي ظهر البعير، وخشب الرحل، لا أنقلب عنه لكثرة أسفاري وشدة ملازمتي له.
فما حاولت في أرضٍ مقاماً ... ولا أزمعت عن أرضٍ زوالا
أزمعت: أي عزمت.
يقول: ما أقمت في مكانٍ، لأني متنقل من أرض إلى أرض. ولا زلت عن أرض: أي عن ظهر البعير. الذي جعله كالأرض، يمسي ويصبح عليه، فإذا كان كذلك، فلم يقم عن الأرض الحقيقية، ولا زال عن الأرض المستعارة. وهي ظهر البعير.
وقيل: ليست هذه كناية عن إدامة السفر؛ لأنه إذا لم يقم في موضع، فلا يحتاج إلى الإزماع لزواله عنها ورحيله منها.
على قلقٍ كأن الريح تحتي ... أوجهها جنوباً أو شمالا
روى: على قلق: أي أنا على الاضطراب، والتحرك. وروى: على قلقٍ. أي على بعير قلقٍ سريع السير. وروى: يميناً أو شمالاً.
يقول: لم أزل أقلق في السير حتى كأني راكبٌ متن الريح، أصرفها كيف أشاء. مرة جنوباً ومرة شمالاً، والشمال تأتي من شمالك إذا استقبلت القبلة والجنوب تقابلها.
إلى بدر بن عمار الذي لم ... يكن في غرة الشهر الهلالا
وروى: إلى البدر. ومثله من الأسماء، حسنٌ. والحسن والعباس. وحذف التنوين من عمار؛ لسكونها وسكون اللام الأولى من الذي. ويجوز أن يكون جعله اسماً لقبيلةٍ فلم يصرفه.
يقول: لم أزل أتقلب في الأسفار حتى وصلت إلى بدر بن عمار، الذي لم يزل بدراً كاملاً، ولم يكن هلالاً قط، وليس كالبدر الذي يكون ناقصاً في غرة الشهر، ثم يزيد إلى أن يكمل.
ولو يعظم لنقصٍ كان فيه ... ولم يزل الأمير ولن يزالا
يقول مؤكداً للمعنى الذي ذكره في البيت الأول: أي لم يزل عظيماً مذ كان، لا أنه كان ناقصاً ثم صار عظيماً، ولم يزل أميراً فيما مضى، ولا يزال أميراً في المستقبل، ويجوز أن يكون دعاء.
بلا مثلٍ وإن أبصرت فيه ... لكل مغيبٍ حسنٍ مثالا
بلا مثل متعلق بقوله ولن يزالا: أي لم يزل أميراً بلا مثل، ويجوز أن يكون خبراً لمبتدأ محذوف، أي هو بلا مثل. يعني: أنه جمع كل فضيلة، فكل شيء حسن غائب، يوجد فيه نظيره ومثله وإن كان لا مثل ولا نظير له يجمع ما جمعه من الفضائل، فهو شبه كل شيء حسن.
حسامٌ لابن رائقٍ المرجى ... حسام المتقي أيام صالا