اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 101
زرعت كتانا في هذه البلدة وقلعته ونفضته فانصرف عليه خمسمائة دينار فلم يجب أكثر من ذلك فأشير علي بحمله إلى الشام فحملته فلم يجب أكثر من ذلك فقيل لي بعه صبرا لعله يرجع لك حق الطريق فبعت بعضه صبرا إلى ستة أشهر والبعض تركته عندي واكتريت حانوتا أبيع فيه على مهل إلى حين انقضاء الستة أشهر فبينما أنا أبيع وقد مرت بي امرأة فرنجية زوج بعض الخيالة ونساء الفرنج يمشون في الأسواق بلا نقاب فأتت تشتري مني كتانا فرأيت من جمالها ما أبهرني فبعتها وسامحتها ثم انصرفت وعادت إلي بعد أيام فبعتها وسامحتها أكثر من الكرة الأولى فتكررت إلي عندي وعلمت أني أحبها فقلت للعجوز التي معها أنني قد تعلقت بحبها فكيف تتحيلين لي فقالت لها ذلك فقالت تروح أرواحنا الثلاثة أنا وأنت وهو فقلت لها إذا أذهب روحي باجتماعي بها ما هو كثير وحكت لي كلاما كثيرا جرى بينهما واتفق الحال على أن أدفع لها خمسين دينارا صورية وتجيء إليه قال فوزنت خمسين دينارا صورية وسلمتها للعجوز فقالت هيئى لنا موضعك ونحن الليلة عندك قال فمضيت وجهزت ما قدرت عليه من مأكول ومشروب وشمع وحلوى وكانت داري مطلة على البحر وكان الصيف ففرشت لي على سطح الدار وجاءت الفرنجية فأكلنا وشربنا وجن الليل فنمنا تحت السماء والقمر يضيء علينا والنجوم تنظر في البحر فقلت في نفسي أما تستحي من الله وأنت غريب وتحت السماء وعلى البحر وتعصي الله مع نصرانية فتستوجب عذاب النار وعذاب الدنيا اللهم أني أشهدك أني قد عففت عن هذه النصرانية في هذه الليلة حياء منك وخوفا من عقابك ثم نمت إلى الصبح فقامت في السحر وهي غضبي ومضيت ومضيت إلى حانوتي فجلست فيه وإذا هي قد عبرت على هي والعجوز وهي مغضبة وكأنها القمر فهلكت وقلت في نفسي من هو أنت حتى تترك هذه الجارية أنت الجنيد أو السري السقطي ثم لحقت العجوز وقلت أرجعي فقالت وحق المسيح ما نرجع إليك إلا بمائة دينار فقلت نعم ومضيت إلى حانوتي ووزنتها وجاءت إلى ثاني دفعة فلحقتني تلك الفكرة الأولى وعففت عنها وتركتها لله تعالى ثم مضت ومضيت إلى موضعي ثم عبرت على وكلمتني وكانت مستغربة وقالت وحق المسيح ما بقيت تفرح بي عندك إلا بخمسمائة دينار أو تموت كمدا فارتعت لذلك وعزمت أني أغرم ثمن الكتان جميعه وأفدى نفسي فبينما أنا كذلك والمنادي ينادي معاشر المسلمين أن الهدنة التي بيننا وبينكم قد انقضت وقد أمهلنا من هنا من المسلمين إلى جمعة ليقضوا أمورهم وينصرفوا إلى بلادهم فانقطعت عني وأخذت أنا في تحصيل ثمن الكتان الذي لي والمصالحة على ما بقى منه وأخذت معي بضاعة حسنة وخرجت من عكا وأنا في قلبي من الفرنجية ما فيه فوصلت إلى دمشق وبعت البضاعة التي لي بأوفى ثمن لانقطاع وصولها بسبب فراغ الهدنة ومن الله سبحانه وتعالى على بكسب جيد وأخذت أتجر في الجواري عسى أن يذهب ما بقلبي من الفرنجية ولازمت التجارة فيهن فمضى على ثلاث سنين وجرى للسلطان الملك الناصر ما جرى من وقعة حطين وأخذه جميع الملوك وفتحه بلاد الساحل بإذن الله تعالى فطلب مني جارية للملك الناصر وكان عندي جارية حسنة فاشتريت له بمائة دينار فأوصلوا إلى تسعين دينارا وبقيت عشرة دنانير فلم يجدوها في الخزانة ذلك اليوم لأنه أنفق الأموال جميعها فشاوروه على ذلك فقال امضوا به إلى الخزانة التي فيها السبي من نساء الفرنج فخيروه في واحد منهن يأخذها بالعشرة دنانير التي له فأتيت الخزانة فنظرت إليها فعرفت الجارية الفرنجية غريمتي فقلت أعطوني هاتيك فأخذتها ومضيت إلى خيمتي وقلت لها أتعرفينني قالت لا فقلت أنا صاحبك التاجر في المكان الذي جرى له معك ما جرى وأخذت مني الذهب وقلت ما بقيت تبصرني إلا بخمسمائة دينار وقد أخذتك ملكاً بعشرة دنانير فقالت مد يدك أنا أشهد إن لا إله ألا الله وأن محمدا رسول الله فأسلمت وحسن إسلامها فقلت والله لا وصلت إليها إلا بأمر القاضي فرحت إلى ابن شداد وحكيت له ما جرى فعجب وعقد لي عليها وباتت تلك الليلة فحملت ثم دخل العسكر فأتينا إلى دمشق فما كان إلا شهور قلائل وأتى رسول الملك يطلب الأساري والسبايا باتفاق وقع بين الملوك فرد ومن كان أسيراً من الرجال والنساء ولم يبق إلا امرأة الفارس التي عندي فسألوا عنها وألحوا في السؤال والكشف فوشى بها أنها عندي فطلبت مني وحضرت وأنا في شدة وقد تغير لوني
اسم الکتاب : مطالع البدور ومنازل السرور المؤلف : الغزولي الجزء : 1 صفحة : 101