اسم الکتاب : مصادر الشعر الجاهلي المؤلف : الأسد، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 600
حديثك ببعض ما قالوا من الشعر ولو ثلاثة أبيات! "، وحينما ذكر عبيد أن يعرب كان يقول الشعر قال له معاوية[1]: "اذكر الشعر الذي قال يعرب"، وكان معاوية كلما سمع الشعر الذي قيل في إحدى الحوادث اطمأن إلى صحة الخبر وقال لعبيد[2]: "لقد جئت بالبرهان في حديثك يا عبيد"، أو "لله درك فقد جئت بالبرهان"[3]. ونحن لا يعنينا من كل ذلك تحقيق هذه الأخبار والأقوال، وإنما نريد أن نقول إن الاستشهاد بالشعر في التاريخ عامة والقصص التاريخية خاصة كان من مألوف عادة القوم منذ أقدم ما نعرف من آثارهم.
وقد استتبع ذلك أن بعض القصاصين كانوا يجتلبون الشعر اجتلابًا ليضعوه في المكان المناسب له من قصصه، ويطلبون المصنوع ليكثروا به الأحاديث ويستعينوا به على السهر عند الملوك، والملوك لا تستقصي[4]، أو عند عامة الناس وهم أقل استقصاء وتدقيقًا.
ولم يكن جميع كتَّاب السيرة والتاريخ ممن يجتلبون المصنوع اجتلابًا ويطلبون من يصنعه لهم ويضعه، ولكنهم -مع ذلك- اتفقوا جميعًا في إيراد شعر موضوع كثير، بعضهم يعمد إليه عمدًا لما قدمنا من أسباب، وبعضهم يجد هذا الشعر أمامه مرويًّا أو مدونًا، فيضطر إلى الوفاء بواجبه وهو الجمع والتأليف، من غير تحقيق لصحة الشعر ونسبته، ويعتذر في ذلك -حينما يلام عليه- بأنه لا علم له بالشعر وإنما جمع منه ما وجده أمامه أو ما رُوي له.
من هذا الضرب الثاني محمد بن إسحاق صاحب السيرة. فقد كان مشهودًا له بالعلم بالمغازي والسيرة حتى قال عنه ابن سلام[5]: "كان من علماء الناس بالسير"، وقال الزهري6 "لا يزال في الناس علم ما بقي مولى آل مخرمة، وكان [1] أخبار عبيدة: 316. [2] المصدر السابق: 330. [3] المصدر السابق: 349. [4] طبقات الشعراء: 50. [5] المصدر السابق: 9.
6 المصدر السابق: 8.
اسم الکتاب : مصادر الشعر الجاهلي المؤلف : الأسد، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 600