اسم الکتاب : مصادر الشعر الجاهلي المؤلف : الأسد، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 18
وأما المتعرضون للعطاء فكانوا من الشعراء ورؤساء القبائل وأصحاب الرأي فيها، يفدون إلى ملوك المناذرة أو الغساسنة أو بلاط كسرى أو بلاد مصر والحبشة، فيقيمون هناك ما شاء لهم الله أن يقيموا يرون ما لم يروا في بلادهم، ويتزودون بالجديد الطريف من ألوان الحضارة المتباينة. وأما طالبو العلم والهداية فقد كانوا ممن استبدت بهم نزعات نفسية أو خواطر فكرية فكانوا يطلبون فيما نأى عن ديارهم ما يفيدهم علمًا أو يكسبهم يقينًا واطمئنانًا[1].
-6-
وبعد، فإن حياة العرب في الجاهلية -فيما بدا لنا- بعيدة كل البعد عما يتوهمه بعض الواهمين، أو يقع فيه بعض المتسرعين الذين لا يتوقفون ولا يتثبتون، فيذهبون إلى أن عرب الجاهلية لم يكونوا سوى قوم بدائيين، يحيون حياة بدائية في معزل عن غيرهم من أمم الأرض. ونحن لا نحب أن نغلو كما يغلون، ونسرف على أنفسنا وعلى الحقيقة كما يسرفون، ونذهب إلى أن عرب الجاهلية الأخيرة كانوا من الحضارة بمنزلة لا سبيل إلى تجاوزها، ولا مزيد عليها لمستزيد، وإنما نحب أن نشير إلى ما قررناه من أمر اتصال العرب بالحضارات المجاورة لهم أولًا، ومن أمر حضاراتهم التليدة الموروثة ثانيًا. ونزيد أن تليدهم هذا إنما كان حضارات متعاقبة موصلة ذات حلقات، آخذ بعضها برقاب بعض، بدأت منذ شاء الله لها أن تبدأ، وانتهت قبيل الإسلام بزمن لا يعدو مائة، أو خمسين ومائة، من السنين. وكان من ذلك الحضارات المعينية والسبئية، والعادية والثمودية، والنبطية: التي ازدهرت في شمال الحجاز وجنوب الشام أربعة قرون، وزال سلطانها السياسي في القرن الثاني بعد الميلاد؛ ثم الحميرية التي استطالت حتى أشرف على أوائل [1] مثل: زيد بن عمرو بن نفيل الذي شك في الأوثان ورحل يطلب دين إبراهيم حتى بلغ الموصل والجزيرة ثم جال في الشام "السيرة 1: 76 والأغاني، دار الكتب 3: 126-127" ومثل الحارث بن كلدة الثقفي الذي تعلم الطب وضرب العود بفارس واليمن "طبقات الأمم لصاعد الأندلسي ص74".
اسم الکتاب : مصادر الشعر الجاهلي المؤلف : الأسد، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 18