اسم الکتاب : مصادر الشعر الجاهلي المؤلف : الأسد، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 155
فقد كان إذن هؤلاء المدونون للحديث والتفسير والمغازي يضمنون مدوناتهم شيئًا من أخبار الجاهلية وأشعارها وأنسابها، وربما أفردوا النسب بالتأليف. فهل دونت العرب -تدوينًا مستقلًا قائمًا بنفسه- ما يتصل بالجاهلية من أخبار وأشعار وأنساب، كما دونت الحديث والتفسير والسيرة والمغازي، أو أن تدوين أخبار الجاهلية وأشعارها وأنسابها لم يبدأ إلا منذ نهاية القرن الثاني على أيدي العلماء الرواة المشهورين؟
-5-
وسنبدأ بذكر عالمين من علماء الشعر الجاهلي متعاصرين، هما: أبو عمرو بن العلاء "المتوفى سنة 154"، وحماد الراوية "المتوفى سنة 156"، وسنتحدث عنهما هنا في أمر لا نعدوه: هو أن نكشف عن أن عنايتهما بالشعر الجاهلي لم تكن مقصورة على دروس شفهية يتلقاها تلامذتها من غير تدوين، وإنما كانا، وغيرهما من العلماء، يئلان إلى دواوين ومجموعات مكتوبة توارثاها عمن قبلهما، وذلك فضلًا عما كانا هما يقيدانه ويدونانه مما يسمعان من الأعراب والرواة، فيضيفانه إلى ما بين أيديهما من الدواوين زيادة في الرواية، أو شرحًا وتفسيرًا واستشهادًا على بعض المشكل من المعاني أو الغريب من الألفاظ.
أما أبو عمرو بن العلاء فقد بلغت عنايته بالشعر الجاهلي مبلغًا كبيرًا حتى قال الأصمعي[1]: جلست إلى أبي عمرو بن العلاء عشر حجج ما سمعته يحتج ببيت إسلامي. وقال عمرو مرةً: لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى لقد هممت أن آمر فتياننا بروايته!! يعني شعر جرير والفرزدق وأشباههما!
وقد كانت عناية أبي عمرو بالكتابة والتدوين لا تقل عن عنايته بالحفظ [1] البيان والتبيين 1: 321.
اسم الکتاب : مصادر الشعر الجاهلي المؤلف : الأسد، ناصر الدين الجزء : 1 صفحة : 155