اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 793
(2) ومما جاء في النّدام والنّدماء والسّقاة
وجوب حقّ المنادمة وذكر من عظّم نديمه
روي أن النبي صلّى الله عليه وسلم لم ير مادا رجليه بين يدي جليس له قط، ولا أخذ بيد أحد فانتزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي يرسلها. قال ابن عباس رضي الله عنهما: لجليسي عليّ ثلاث، أرميه بنظري إذا أقبل وأوسع له إذا جلس وأصغي إليه إذا حدّث. قال شاعر:
أرى للكاس حقّا لا أراه ... لغير الكاس إلا للنّديم «1»
وقال الجاحظ رويت هذا البيت دهرا لا أعرف له ثانيا، فسمعت يوما حماميا يوقد أتونه وينشد معه:
هو القطب الذي دارت عليه ... رحى اللذات في الزّمن القديم
وقال سعيد بن حميد:
الكاس حرمتها أولى من النسب «2»
وقال حصابة: إن المنادمة الرضاع الثاني. وكان القعقاع إذا جالسه جليس فعرفه بالقصد إليه، جعل له نصيبا من ماله وأعانه على عدوه وشفع له في حاجته وغدا إليه بعد المجالسة شاكرا له، وفيه يقول:
وكنت جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس
قال يحيى بن أكثم: ما رأيت أكرم من المأمون بتّ عنده ليلة فعطش فكره أن يصيح بالغلمان، وكنت منتهبا فرأيته قد قام فمشى قليلا إلى البرادة حتى شرب ورجع. ورأيته ليلة وأنا عنده وحدي وقد أخذه سعال يسدّ فاه بكمه كيلا انتبه.
الإنخراط في سلك الشّرب والصّحب
جلس المتوكل مع جماعة، وفيهم يحيى بن أكثم، فلما شرب الناس ثلاثة أرطال، أمر يحيى بالإنصراف، فقال له: ولم يا أمير المؤمنين؟ فقال لأنا قد خلطنا، فقال: أحوج ما يكون إلى قاض إذا خلطتم، فاستظرفه المتوكل وأمر أن تغلف لحيته بالغالية، ففعل، فقال: ضاعت الغالية وكان هذا يكفيني دهرا، فأمر بزورق من الغالية ودرج بخور، فجعلا في كمّه.
طيب المدام بطيب النّدّام
قيل لأعرابي كم تشرب من النبيذ؟ فقال: مقدار النديم
اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 793