اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 607
بينما فتح الموصلي في أصحابه إذا بصبيين معهما رغيفان، على رغيف أحدهما كامخ وعلى رغيف الآخر عسل، فقال: صاحب الكامخ لصاحب العسل: أطعمني من عسلك، فقال: أطعمك على أن تكون لي كلبا، فقال: أنا كلبك فجعل في فمه خرقة يجرّه بها، فالتفت فتح إلى أصحابه، وقال: لو قنع هذا بكامخه لم يصر كلبا لصاحب العسل.
ولقي صاحب سلطان فيلسوفا يلتقط الحشيش ويأكله، فقال له: لو خدمت الملوك لم تحتج إلى أكل الحشيش، فقال: وأنت لو أكلت الحشيش لم تحتج إلى خدمة الملوك.
وقيل: يا عجبا من مسكين بقناعته ثري ومن غنيّ بحرصه دنيء.
قال عبد الصمد لأبي تمام:
لست تنفكّ طالبا لوصال ... من حبيب أو راغبا في نوال «1»
أي أخي ما لحرّ وجهك يبقى ... بين ذلّ الهوى وذلّ السّؤال
وقال آخر:
أذلّ الحرص أعناق الرّجال
وقال أبو العتاهية:
الحرص داء قد أضرّ ... بمن ترى إلا قليلا
طالب الدنيا متحمّل للذلّ
قال علي بن الحسين رضي الله عنهما: إنما الدنيا جيفة حولها كلاب فمن أحبها فليصبر على معاشرة الكلاب. ومن ذلك أخذ ابن حجاج:
تركت مطالب الدنيا لقوم ... دعتهم للمخازي فاستجابوا
وليس الليث من جوع بغاد ... على جيف يطوف بها كلاب «2»
ومثله:
إنّما الدنيا ومن يص ... بو من النّاس إليها
جيفة بين كلاب ... قاتلوا حرصا عليها
الحرص فقر حاضر
قيل في قول الله تعالى فإن له معيشة ضنكا، إنه الحرص. الحرص فقر واليأس غنى. قد يكثر المال والإنسان مفتقر، وهذا مأخوذ من قول بعضهم وقد سئل: أفلان غني، فقال: لا أدري غناه ولكنه كثير المال. سأل النعمان ضمرة بن ضمرة عن الفقير، فقال: الذي لا تشبع نفسه وإن كان من ذهب حلسه. وحمل رجل إلى إبراهيم بن أدم شيئا، فقال: ألك مال، قال: نعم. قال: أتحب أكثر منه، قال: شديدا، قال: إنك فقير.
وأنا لا أقبل الصلة إلا من غني، عنى بذلك ما روي: الغنى غنى النفس.
اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 607