اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 573
فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... تعش ذا يسار أو تموت فتعذرا
وقيل: هو أكسب من الذر والنمل ومن الذئب. وقيل: فلان يسعى سعي الأم البرّة ويجمع بجهده جمع الذره.
تفضيل الكسب على السؤال
كان عمر رضي الله عنه إذا نظر إلى فتى وأعجبه، سأل: هل له حرفة فإذا قالوا: لا سقط من عينه. وكان يقول: مكسبة فيها دناءة خير من مسألة الناس. وقال ابن عباس رضي الله عنه:
قدم قوم على النبي صلّى الله عليه وسلم فقالوا إن فلانا يصوم النهار ويقوم الليل ويكثر الذكر، فقال: أيكم كان يكفي طعامه وشرابه، فقالوا: كلنا فقال كلكم خير منه. وروى أنس أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي صلّى الله عليه وسلم وقال: أتيتك من أهل بيت لا أراني أرجع إليهم من الجوع، فقال: أما عندك شيء؟
قال: لا، فأعطاه درهمين وقال له: إذهب فابتع بأحدهما طعاما وبالآخر فاسا واحتطب وبع.
فغاب خمسة عشر يوما ثم جاء فقال: بارك الله لي فيما أمرتني به أصبت عشرة دراهم فابتعت لأهلي بخمسة طعاما وبخمسة كسوة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: هذا خير لك من المسألة «1» ، إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة دم موجع أو غرم مفظع أو عدم مدقع.
وقال إبراهيم عليه السلام: يا رب استحييت من كثرة تصرّفي في طلب الرزق فأوحى الله إليه ليس طلب المعيشة من طلب الدنيا.
وقال شاعر:
ولا تدع مكسبا حلالا ... تكون منه على بيان
تفضيل التكسّب على التوكّل
قال حكيم لرجل يجلس إليه: ما حرفتك؟ قال التوكل على ربّي والثقة بما عنده، فقال الحكيم: الثقة بربّك تحرم عليك إصلاح معيشتك، أو ما علمت أن طلب ما تعف به عن المسألة حزم والعجز عنه فشل والفقر مفسد للتقى، متهم للبريء ولا يرضى به إلا الدنيء، وأنشد:
فإن قلت يكفيني التوكّل والأسى ... فقد يطلب الرزق الذي يتوكّل
وقيل لحكيم: إحذر كل الحذر أن يخدعك الشيطان فيمثل لك التواني في التوكل ويورثك الهوينا بإحالتك على القدر، فإن الله أمرنا بالتوكل عند انقطاع الحيل والتسليم للقضاء بعد الأعذار، فقال: خذوا حذركم، وقال: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة. وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: إعقلها وتوكل. وقال عمر لرجل: ما معيشتك؟ قال: رزق الله، فقال: لكل رزق سبب فما سبب رزقك؟ قال أبو تمّام:
وصدقت إن الرزق يطلب أهله ... لكن بسيرة متعب مكدود
اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 573