اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 532
غالب. إذا انقضت المدة لم تنفع العدّة. إذا نزل البلاء ذهبت الآراء. إذا حلت المقادير ضلّت التقادير. وقيل: إذا حل القدر بطل الحذر.
لما حجّ أبو مسلم قيل له إن بالحيرة نصرانيا أتت عليه مئتا سنة وعنده علم من علوم الأوائل فقصده، فلما نظر إلى أبي مسلم قال له: قمت بالكفاية ولم تأل في العناية. حتى بلغت النهاية، أحرقت نفسك لمن لا يرحم حسّك، وكأني بك وقد عاينت رمسك، فبكى أبو مسلم، فقال: لا تبك فإنك لم تؤت من حزم وثيق ولا من رأي دقيق ولا من تدبير بارع ولا من سبب قاطع، ولكن ما استجمع لأحد أمله إلا أسرع في تفريقه أجله. قال: فمتى يكون؟ قال: إذا تواطأ الخليفتان على أمر والتقدير في يدي من يبطل معه التدبير. وإذا صرت إلى خراسان فقد سلمت. وهيهات فلولا أن البصر يعمى إذ نزل القدر لكان في ذلك ما يبعث على الاحتيال.
انتهى أعرابي إلى أرض، فقيل له: إنها مفعاة «1» فبات على ظهر راحلته فتعلقت حية بنسعة كانت في يده فلسعته، فقال وهو يجود بنفسه:
لعمرك ما يدري امرؤ كيف يتقي ... إذا هو لم يجعل له الله واقيا
ولأمير المؤمنين رضي الله عنه:
إذا لم يكن عون من الله للفتى ... فأكثر ما يجني عليه اجتهاده «2»
وقال آخر:
سبق القضاء بكل ما هو كائن ... فليجهد المتقلب المحتال
وقال ابن نباتة:
وإنّي إذا ما حاجة حال دونها ... نهار وليل ليس يعتوران «3»
حملت على سوء القضاء ملامها ... ولم ألزم الإخوان ذنب زماني
إذا الله لم يأذن بما أنت طالب ... أعانك في الحاجات غير معان
وقيل: القضاء يقرب البعيد ويبعد القريب. قال شاعر:
وقد يجلب الشيء البعيد الجوالب
وقيل: إذا كان المقدور كائنا فالهم فضل. وكان نقش خاتم أبي العتاهية:
سيكون الذي قضي سخط العبد أم رضي
اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 532