اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 506
وقال الحارث بن كلدة لأنوشروان: الأكل فوق المقدار يضيق على الروح ساحتها وغشيان المرأة المولية يضعف القوة ويسقم البدن لأنها كالشن البالي ماؤها سم قاتل ونفسها موت عاجل تأخذ منك ولا تعطيك. واجمع علماء الطب على مضرة اللحم الجاف والسمك والبيض البارد، واجمعوا على منفعة النبيذ والسويق والسكنجبين. وقيل: من حم يوما فلا يأكل الكشك سنة، وقيل: كثير الرمان ضار كما أن قليله نافع.
من تناول طعاما وتحقّق تولّد علّة منه
اجتاز رجل بصديق له محموم فسأله عن سببب علته، فقال: أكلت في هذا الصيف فراخا وعسلا وشربت خمرا صلبا ونمت في الشمس، فقال له: عليّ كل يمين لو كانت الحمى من حملة الشمس ورأتك بهذه الحالة لتركت عملها ووافتك. وقال بعضهم: أكل رجل سمكا وخبزارز ولبنا وشرب عليه ماء كثيرا بجليد ودخل سردابا فجامع ونام هناك فأتى الموت حيه ودق عليهم الباب، وقال تعالوا وانظروا إلى هذا المتخلف وفعله، فإن هذا يموت فيقال اختطفته المنية ولا يعرفون سوء تدبيره وقبح صنيعه.
نظر طبيب إلى دهقان يغرس شجرة مشمش فقال له ما تصنع؟ قال: أعمل لي ولك يعني أن الطبيب ينتفع بالمشمش لسوء أثره على آكليه وحاجتهم إلى الطبيب لما يتولد عليهم من الأدواء لأكل الطري منه، وفي هذا المعنى يقول ابن الرومي:
إذا ما رأيت الدهر بستان مشمش ... فأيقن يقينا أنه لطبيب
يغل له ما لا يغل لغيره ... يغل مريضا حمل كلّ قضيب هيجان الدم ونقصانه
قال النبي صلّى الله عليه وسلم: إذا تبيغ بأحدكم الدم فليحتجم لئلا يقتله. قال ابن ماسويه: في الفصد ثلاث منافع وثلاث مضار، أما منافعه فإنه يحد البصر ويصفر اللون ويزيد في اللحم، ومضاره أنه يضعف البدن ويجلب الضعف ويقطع الباه، قال جالينوس: الدم في الجسد كالزيت في السراج إذا نفد الدهن طفىء السراج، وقال بختيشوع للمأمون: البدن إلى الدم أحوج منه إلى إخراجه، ألا ترى إلى الطبّاخ الحاذق يجيىء إلى القدر وهي تفور فيأخذ رغوتها ويسكنها بشيء من الماء أو غيره وهي ممتلئة، فكذلك يفعل بالدم.
واقتصد المأمون يوما فأراد أن يشرّح وكان قد أتخم فشدوا الرباط عليه فلم يخرج الدم، فقال المأمون: قد عقرتموني فحلوا الرباط واعتزلوا وتشاوروا بظهر الغيب غني فالهيبة قد أدهشتكم، فاعتزلوا يتشاورون فدعا فراشا وأمره بمصه فمصه فخرج الدم. فقال: ادع هؤلاء الحاكة، فلما رأوه أخبرهم بذلك فقالوا لو فعل جالينوس هذا كان عجيبا.
تهنئة بالفصد
قال ابن رزين الواسطي:
أراق الفصد خير دم ... دم الأذهان والفهم
اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 506