اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 219
فيما في يده ورغبه فيما في يد غيره، وانتقصه شطر أجله وأشرب قلبه الإشفاق. فهو يحسد على القليل ويتسخّط الكثير. فهو كالدرهم والسراب الخادع، جذل الظاهر حزين الباطن. فإذا وجبت نفسه ونضب عمره حاسبه الله فاشد حسابه وأقل عفوه.
وقال مطرف: لا تنظروا إلى خفض عيش السلطان ولين لباسه ولكن انظروا إلى سرعة ظعنه «1» وسوء منقلبه «2» .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ملك أحد قطّ إلا شوطر عقله وضوعف بلاؤه وحزنه. ولمّا ولى محارب القضاء قيل للحكم بن عتيبة: ألا تأتيه؟ قال: ما أصابته عند نفسه مصيبة فأعزيه ولا نالته نعمة فأهنئه وما كنت زوّارا له من قبل فآتيه.
وقال بعض الولاة لبهلول: كيف تجدك؟ قال: بخير ما لم أتولّ شيئا من أمور المسلمين. قال: أتحب أن تكون صحيحا؟ قال: لو كنت صحيحا لنزعت نفسي إلى طلب الدنيا، فهذا أصلح لي. أرجو أن أكسب الأجر وأن يحط الله عنّي الوزر «3» .
وقيل لأعرابي أيسرك أن تكون خليفة وتموت أمتك؟ قال: لا، لأنها تذهب الأمة وتضيع الأمّة.
النهي عن طلب الرئاسة
قال رجل لبشر الحافي: أوصني. قال: الزم بيتك، فترك طلب الرئاسة رئاسة. وقال ابن مسهر: ما بينك وبين أن تكون من الهالكين إلا أن تكون من المعروفين. وكان سفيان يتمثّل بقول الشاعر:
حبّ الرئاسة داء لا دواء له ... وقلّ ما تجد الراضين بالقسم
وقال آخر:
وأكثر هالك في النّاس تلقى ... فرأس هلاكه طلب الرئاسة
وقال آخر:
بلاء النّاس مذكانوا ... إلى أن تنهض السّاعه «4»
طلاب الأمر والنهي ... وحبّ السمع والطّاعه قساوة قلب من تولّى رئاسة
كان عبد الملك بن مروان يسمّى حمامة المسجد، للزومه المسجد الحرام. فلما أتاه الخبر بخلافته، كان المصحف في حجره «5» ، فوضعه وقال: هذا فرق بيني وبينك. وقال:
اسم الکتاب : محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء المؤلف : الراغب الأصفهاني الجزء : 1 صفحة : 219