اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي الجزء : 1 صفحة : 64
أن تواجه الأخطار بما يملأ قلوب الأعداء خوفًا ورهبة. وكثرة الأفراد كانت إما عن طريق كثرة أفراد القبيلة نفسها، أو عن طريق التحالف مع قبيلة أو قبائل أخرى، فيكون أفراد هذا الحلف، وإن اختلفت قبائلهم، متضامنين يشد كل منهم أزر الآخر، فيكونون بمثابة قبيلة واحدة. وأفرادها إخوة كأنهم من دم واحد لا يعتدي أحد منهم على الآخر، ويقف بجانبه في الشدة، ويشاركه في البأساء والضراء، ويكون لكل فرد من أفراد هذا الحلف ما لزميله من الحقوق، وعليه ما على صاحبه من واجبات.
والعربي في النظام القبيلي "كان يتأرجح بين قطبين: فردية تدفعه إلى رفع كل ضغط وتثبيت الحقوق الدائمة لنفسه تجاه الحقوق الجماعية، وتعلق من ناحية أخرى بجماعته بصورة عميقة قد تصل إلي حد التضحية بالنفس"[3].
والقبيلة تظل متمسكة بكل فرد من أفرادها، تحافظ عليه، وترعاه، وتنتصف له، ما دام يسير وفق قانونها، وحسب نصائحها، ووفق رغبتها وإرادتها، فإذا ما بدر منه سلوك لا ترضاه، أو اعتاد أمورًا لا توافق عليها، خلعته من جماعتها ونفته من مجلسها، وطردته من بينها. وفي ذلك يقول طرفة:
وما زال تشرابي الخمور ولذتي ... وبيعي وإنفاقي طريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني القبيلة كلها ... وأفردت إفراد البعير المعبد4
فتتنصل منه القبيلة على رءوس الأشهاد، وتعلن تبرؤها مما اقترفه من أفعال، وكثيرًا ما كان يحدث ذلك حيث الجميع حضور، ليعرف الناس ذلك فلا يؤاخذوها على جرائم يقترفها، فصبح مخلوعًا[5] من القبيلة كأنما سحبت منه جنسيته وعليه حينئذ أن يبحث عن مكان يؤويه أو جماعة ينزل معها أو تساعده والغالب أن ينتقل من مكان إلى مكان، ومن قبيلة إلى أخرى لصعوبة حمايته إذا كان من المشاغبين الأشرار، الذين لا يستطيعون المعيشة بهدوء كسائر الناس.
"وقد يتكتل هؤلاء الخلعاء ويجتمعون مع الصعاليك، فيؤلفون عصابات خطيرة تعيش [3] تاريخ الأدب العربي لبلاشير صفحة 35.
4 انظر معلقة طرفة وديوانه للمؤلف، البيتين: 74، 75. [5] الأغاني جـ9، ص56، 87، 95.
اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي الجزء : 1 صفحة : 64