responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي    الجزء : 1  صفحة : 239
لا بد أنهم كانوا يسيرون في فنهم الأدبي على نمط أدبي، استقر وضعه منذ أمد بعيد، فآثار هؤلاء وأمثالهم الأدبية، وهي في درجة عالية من الكمال الفني تؤكد أنهم لم يبتدعوا هذا النظم من عندهم، بل لا بد أنهم كانوا ينسجون على منوال معروف، ويتبعون نهجًا واضحًا، وأسلوبًا متفقًا عليه قبل أن يوجدوا، فكانوا يقتفون آثار رجال سبقوهم حينًا من الدهر، في التعبير والتصوير، ومذاهب الكلام، وأساليب الأدب الكامل الرفيع.
وفي الطبيعة الإنسانية عادة ميل إلى التعبير العاطفي "تنفيسًا عما تحسه من عواطف وانفعالات"، وفيها ميل كذلك إلى حفظ شيء من هذه النصوص التي تصور أحوال النفس البشرية، ومن هنا نعتقد أن العرب حتمًا قد حفظوا بعض آثار أدبائهم الذين كانوا قبل الإسلام؛ لكي يتغنوا بها في الأوقات المناسبة، ومنها تغذى الأدباء بعد ظهور الإسلام، وترسموا خطاها، وساروا على تقاليدها، وإذا عرفنا أن العرب كانوا يهتمون بآثار ذويهم الأدبية -وبخاصة الشعر، إذ كان للشعر تأثير كبير في نفوسهم، وكان للشعراء منزلة سامية بين جميع القبائل- إذا عرفنا ذلك، استطعنا أن نتصور مدى اهتمام العرب بحفظ هذه النصوص التي كانت تحظى منهم بالاحترام والتقديس؛ لأنهم كانوا يعدونها سجل مفاخرهم وأمجادهم، ومن ثم قيل: "الشعر ديوان العرب".
وإذا كان للأدب هذه المنزلة في نفوسهم، فلا بد أن نصوصه التي كانت موضع اهتمامهم، قد لقيت منهم عناية كبيرة، فحفظوها بدقة، وعملوا على أن يلقنها الآباء للأبناء، وليس بعجيب أن يتلقاها الخلف عن السلف بشغف واهتمام، إذ كانوا يرون ما لها في نفوس الآباء من إكبار وإجلال فانتقلت هذه الآثار من جيل إلى جيل، ولم تكن الكتابة قد شاعت، فاعتمدوا في ذلك على الذاكرة مدة طويلة، حتى أذن الله لها أن تسجل في بطون الكتب، عندما تهيأت الظروف لهذا التدوين.
وفي أثناء هذه الرحلة الطويلة للنصوص الأدبية الجاهلية منذ إنشائها إلى وقت تدوينها، لا بد أنها قد تعرضت لكثير من الأشياء، كالنقص أو الزيادة، أو التغيير، أو التبديل، أو التحريف، نظرًا للظروف الكثيرة المختلفة التي مرت بالعرب، والدولة الإسلامية على العموم في النواحي السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية، ونظرا لاعتماد هذه النصوص في البقاء على المشافهة والذاكرة. ومن ثم ضاعت من آثار العرب الجاهلية أشياء، ودخلها أشياء، وغيرت بعض الكلمات، أو بدلت، بقصد أو بغير قصد، بحكم ما تتعرض له

اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي    الجزء : 1  صفحة : 239
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست