responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي    الجزء : 1  صفحة : 101
ومن الناحية الاقتصادية: كانت مكة موطن قريش، تقع في وسط شبه الجزيرة العربية تقريبًا. وكانت زمزم تفيض بالقرب منها، فكانت مركزًا تجاريًّا هامًّا، تمر بها القوافل التجارية ذهابًا وإيابًا، حيث يجدون بها مكانًا طيبًا للراحة بعد مرحلة طويلة من السفر الشاق بين ربوع الصحراء بمرتفعاتها ومنخفضاتها، وطرقها الملتوية، وسبلها غير الممهدة، فيستريحون من عناء السفر، ووعثاء الطرق ويتزودون بما يجدون فيها من زاد وماء؛ فهذه الحركة التجارية أثرت ولا شك في مركز قريش المالي، مما جعلها غنية ثرية، ثم حببها ذلك أيضًا في الاشتغال بالتجارة[13] فكانوا يقومون برحلات تجارية خارج مكة بجانب تجارتها الداخلية بها، مما زادهم غنى وثراء حتى مَن الله عليهم بذلك في قوله تعالى {لإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} . ولا شك أن الثروة تخلع على صاحبها مهابة وجلالًا، وتجعله موضع الاحترام والإكبار من الجميع؛ فاختلاط قريش بغيرها في تجاراتهم الخارجية والداخلية لا بد أن يكون قد أكسبها ثروة لغوية مما تسمع من غيرها، سواء عند حلولهم في ديارهم، أو عند ذهاب قريش إليهم في مواطنهم،

[13] سبق أن ذكرنا الظروف الجغرافية والداخلية والخارجية التي ساعدت على انتعاش الحركة التجارية في مكة، واشتغال أهلها بالتجارة.
وأقاموا فيها أصنامهم فكان بها -على ما يروى- ثلاثمائة وستون صنمًا يحجون إليها كل عام، وكانت قريش تتولى خدمة البيت الحرام الذي تعظمه العرب وتقدسه، فقريش كانوا سدنته، يحافظون عليه ويتعهدونه بالعناية والرعاية، وهذا يجعلها موضع الاحترام من العرب جميعًا ولا شك أن اختلاطها بهم جعلها تسمع لغات القبائل كلها كل عام فكانت تنتقي أحسن الألفاظ وأعذب الكلمات من كل هذه اللهجات، وتضمها إلى لغتها، ويقولون: إن مما ساعد قريشًا على تقبل ألفاظ غيرها بسهولة كونهم حضريين، وتعود أسماعهم على كثير من الألسنة المختلفة التي كانت تفد إليهم. فطوع ذلك لسان قريش، وجعله مرنًا، يتقبل ألفاظًا غير ألفاظه في غير مشقة ولا عسر، بعكس البدوي الذي يقيم في الصحراء منعزلًا، لم يمرن لسانه على النطق بألفاظ غيره في سهولة ويسر، فاكتسبت لغة قريش بذلك ثروة من اللهجات الأخرى، وصار لسانها سهلًا سلسًا، بجانب ما خلع مركزهم الديني عليهم وعلى لغتهم من سمات الهيبة والاحترام.
اسم الکتاب : في تاريخ الأدب الجاهلي المؤلف : الجندي، علي    الجزء : 1  صفحة : 101
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست