اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 80
التثقيف الصحيح. ولو جاز لي أن آمل من هذا الشاعر الإصغاء إلى موضعي النقض الكبيرين اللذين أشرت إليهما فيما سبق لرجوت أن نجد فيه شاعرا يعتز به عصرنا.
2- وثانيهما قدرته على الانفعال، وفي هذا ما يلهب الحس، فيدرك المرء بقلبه ما لا تدركه العقول، وما يحتاج إليه محمود إسماعيل لاستغلال قدرته إنما هو نوع من النظام يركز به إحساسه ويرد ما فيه من فضول.
ثم إنني أريد أن يطمئن الأستاذ قطب أن أحكامي على أدباء المهجر ليست سريعة ولا هي عن جهل، فقد قرأت الكثير مما كتب وإن لم أتحدث عنه، وأمر اشتغالي بالدكتوراه حدث عارض لم يستوعب قط كل وقتي، وأنا لا زالت عند رأيي في أدب الحكيم ومحمود طه وغيرهما مع تحفظ واحد هو أنني اقتصرت في مقالاتي على كتب بعينها ليكون النقد موضعيا ومن ثم منتجا. ولقد قرأت لكل كاتب معظم كتبه الأخرى فوجدت الخصائص التي ذكرتها واضحة، وإن تكن ثمة اتجاهات أخرى تحتاج إلى علاج خاص كتصوير الحكيم لبعض الشخصيات تصويرا ناجحا في "عودة الروح".
وكاستخدامه الهيومر في "أهل الفن" ولكنه أدبه، كما قلت: أدب فكرة في جملته.
وكذلك الأمر في حديثي اليوم عن محمود إسماعيل هذا الحديث الذي لا أبغي من ورائه لجاجة؛ وإنما أبغي الخير، خير الشاعر وخير أدبنا الجديد، فأحكامي عنه تستند إلى قراءة شبه شاملة لما كتب، وإن كنت سأكتفي اليوم بنقد قصيدة واحدة من قصائده حرصا على الدقة.
القصيدة كما يقول الشاعر في بطاقته: "وحي سياحة قمرية في ليلة من ليالي الحصاد" وها هو شاعرنا يبدأ بوصف الحقل: "سيان في جفنه الإغفاء والسهر" وإذن فنحن في حالة هيام شعري تستوي فيه اليقظة والنوم، نحن إن أردت في حلم يقظة "نعسان يحلم والأضواء ساهدة" وهذا لا ريب جو الإلهام الشعري، ولكنه جو قد قيد الشاعر؛ ونحن لا يعنينا منه صدقه أو تصنعه، فالشاعر يدعونا إلى هذا الجو وقد أعاننا على أن نحيط أنفسنا به لنخلق فيها جوا مشابها، وننظر مع الشاعر فماذا نرى؟ نرى أن السنابل قد نامت واستيقظ القمر فإذا بنا أمام مقابلة مصنوعة؛ لأننا لا نرى نوم السنابل بوضوح ولا يقظة القمر، القمر الذي ينشر الأحلام، وهذا يسلمنا إلى ملاحظة عامة خطيرة على شعر محمود إسماعيل وهي مصدر ما فيه من تنافر وأعني بها "تشخيصه" للأشياء، والتشخيص لا ريب
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد الجزء : 1 صفحة : 80