responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 66
عطش وجوع واشتياق ... أسف وحزن واحتراق
يا ويح عيشي هل تطاق ... نزعات نفس لا تلين
ونمر من الإحساس إلى الصور العاطفية فيبلغ الشاعر قمة المجد.
والقلب واأسفى عليه ... كالطفل يبسط لي يديه
هلا مددت يدا إليه ... كالأمهات إلى البنين؟
ها هو الشاعر قد انطلقت نفسه وتحركت حياته كلها، ونسيب عريضة من أولئك المجاهدين الذين نزحوا إلى العالم الجديد يجالدون في سبيل الحياة، وفي قسوة تلك المجالدة ما لا يترك لهم راحة ولا سبيل إلى الأخذ من لذات الوجود بنصيب. مأساة خليقة بأن تنطقهم بأنبل الشعر، ونسمعه فإذا هو كخير ما نعرف من شعر رومانتيكي، لا شعر أولئك الشعراء الصغار الذين اتخذوامن الرومانتيكية مذهبا أدبيا يتصنعون فيه النجيب، بل كبارهم الذين صدروا عن حالات نفسه صادقة.
ثم أي بساطة مؤثرة في هذه الصورة الجميلة: صورة القلب الذي يبسط يديه كالطفل، والشاعر الذي يرجو نفسه المأخوذة بروعة الجهاد والتحليق في عالم المثل "أن تمد إليه يدا كالأمهات إلى البنين" صورة ساذجة ولكن كم فيها من إنسانية! كم فيها من جمال! كم فيها من قرب إلى النفوس!
وتستمر الصورة:
غذيته مر الفطام ... وحرمته ذوق الغرام
وصنعت شيخا من غلام ... يحبو علي باب السنين
ومن منا لا تهزه هذه الصورة الأخيرة: صورة الغلام الذي يحبو على باب السنين ولما يلج أبوابها وقد جعلت منه النفس القاسية شيخا.
فغدا كحفار القبور ... يئد العواصف في الصدور
ويبيت يهتف بالثبور ... يشكو إليك وتشمتين
وهنا يجب أن نقف عند البيت الأول، فالغلام قد أصبح كحفار القبور، وهذا تشبيه يقبض النفس ويهز كيانها والحفار يئد العواصف. يئدها، وإذن فهي لا تكاد تنمو بل لا تكاد تظهر حتى يسارع بها إلى الدفن حية، والعواصف شيء قوي مدو؛ لأنها شهوات القلب المكبوت الذي يهم بالانفجار كلما طال به الضيق. أليس في وأد العواصف قوة الشعر؟ وهو يئدها في الصدور.
أعمى تطاعنه الشجون ... وجراحه صارت عيون

اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 66
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست