responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 134
للمواقع والاستعصاء على الصديق تصديقا لأنفسنا وتصديقنا للغير، ثم الحاجة المستمرة إلى النقد والمراجعة والتحقيق. وأنا لا أدري أعلم ما سنعمله عندئذ أم لا ولكني على ثقة من أننا سنعمل خير تاريخ أدبي.. وإذا فكرنا في مناهج العلوم فيجب أن يكون ذلك لإثارة ضمائرنا أكثر من أن يكون لبناء معارفنا".
هذه هي أقوال لانسون، وهي عندي تفصل في الخصومة فصلا نهائيا، فالذي نستطيع أن نأخذه عن العلوم -سواء في ذلك العلوم الطبيعية أو العلوم النفسية التي أصبحت اليوم تصطنع مناهج العلوم الطبيعية، كما هو معروف- هو روحها، وأما أن نأخذ عنها مبادئ وآراء وقوانين، فهذا خطأ بل كارثة على الأدب. وكلنا لا ريب يذكر أقوال قدامة عندما رد الرثاء إلى المدح مع كان ويكون وجعل الهجاء نقيض المدح، وحصر الصفات التي يمدح بها في "العقل والشجاعة والعدل والعفة" وما إلى ذلك من سخافات يسمونها فلسفة، وأنا إذ أقاوم بكل قوتي هذا الاتجاه الذي يصدر عنه الأستاذ خلف الله لا أدعو إلى الكسل أو إلى إهمال أبحاث علماء النفس والجمال والاجتماع. فهذه أشياء أضعنا فيها جزءا كبيرا من شبابنا وهي لا ريب تفتح آفاقا للتفكير، وقد تزيدنا بالإنسان معرفة. ولكني أقول: إنها غير الأدب. وإنه لا يجوز أن نظن أننا سنجدد الأدب في شيء عندما نقحمها فيه. وخير عندي من كل هذا أن نناقش قصيدة شعر أو رواية، وإني لمؤمن إيمانا لا يتزعزع بأنه من الأجدى على أستاذ الأدب أن يناقش أمام طلبته أو يعرض على قرائه مناقش نص أدبي يقف عند تفاصيله ويظهر ما فيه، من أن يشرح لهم في سنين أو في مئات الصفحات نظريات علم النفس أو علم الجمال، فهذه لن تصقل ذوقا ولن ترهف حسا. وتلك هي ملكات الأدب التي يجب أن ننميها وأن نتعهدها يجب أن نحبس أنفسنا في الأدب وأما الفرار إلى غيره فلا.
وليس أدل على صحة ما أقول به من واجب قصر المشتغلين بالأدب جهدهم أو على الأقل معظمه على دراسة النصوص الأدبية ذاتها بدلا من محاولة إدخال الفلسفة على الأدب وتضييع وقتنا في ذلك، من كلام الأستاذ خلف الله نفسه، فنظرته إلى النقد كشيء يقوم على الرؤية ويخالف الخلق الفني، وظنه أن الشعراء والكتاب لا يشتغلون بالنقد ولم يشتغلوا به ولا وضعوا نظريات عامة فيه، وأنه لا بد للنقد من أن يكون لنفسه أولا فكرة أساسية في الأدب والفن، كل هذا كلام مردود وخطر؛ وذلك لأن ما فيه من حقائق تاريخية غير صحيح، وما فيه من آراء شخصية للزميل الفاضل لا أراه مصيبا فيها.

اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 134
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست