responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 110
طرق الأداء فيها، وأما الكتاب الثاني لنفس المؤلف فهو فيما أعتقد خير ما كتب عن أبي العلاء؛ وذلك لأنه لا يقف عند التفاصيل والأقسام المدرسية التي تفسد وحدة أبي العلاء، بل يتناوله كتجربة بشرية، يقصها بأسلوب جميل ووسائل روائية تغرينا بالقراءة، ولكننا هنا نقع على خطر آخر؛ وذلك لأن المؤلف لم يكد يخلص من طغيان النظرة التعليمية التي ظهرت في أوائل حياته، حتى ضرب في آفاق الثقافة الأوربية، يحاول في إيمان أن يدخلها في مجرى تفكيرنا، وهذا اتجاه نافع نحن في أشد الحاجة إليه، ولكن على أن نستخدمه في حذر، ولا نسرف في الركون إليه، وأوضح ما يظهر هذا الإسراف في مقارنات المؤلف، ومن هنا لا بد من الوقوف عند هذه الناحية لما لها من عظيم التأثير في توجيه أدبنا الحديث، ولما لهذا المنهج من خطورة.
وأول ما نلاحظ هو عدم التفرقة بين البحث عن المؤثرات وبين إقامة المقارنات، فهو عندما يعرض للمقارنة بين الشاعر اللاتيني لوكريس وأبي العلاء، ينكر طبعا أن يكون أبو العلاء قد عرف لوكريس أو سمع به، ولكنه يعود فيقرر أن لوكريس لم يكن إلا تلميذا لأبيقور، ويقرر أن العرب قد عرفوا فلسفة أبيقور، وإذن من المعقول أن يكون هناك تشابه بين لوكريس وأبي العلاء وهو يتلمس هذا الشبه في مسائل جزئية وأفكار، في أدب أبي العلاء ما يؤيدها وفيه ما ينقاضها؛ لما هو معروف من أن أبا العلاء لم يثبت قط على رأي، ونحن لم نعرف كيف تأثر أبو العلاء بالفلسفة الأبيقورية، ونحن نعجب من مقارنة لوكريس بأبي العلاء؛ لما هو معروف من أن للوكريس فلسفة ثابتة مستقرة متماسكة الأجزاء، فلسفة تقريرية في كل مشكلة عرض لها، بينما أبو العلاء رجل ابتلاه الله بمحنة بلبلت أفكاره فلم يؤمن بغير "النعمى والبؤس" وما عدا ذلك فكل شعره ونثره من وحي الساعة ووفقا لحالته النفسية التي لم يترك لها الألم اطرادًا، فالمقارنة بينهما لا يمكن أن نتعقد، بل إن ما أورده المؤلف من اتفاق على بعض الجزئيات يخيل إلينا إنه غير ثابت. ولنضرب مثلا بالعلة الغائية "ص232 وما بعدها" فالمؤلف يقول عن لوكريس: إنه ينكر العلة الغائية؛ إذ إن الأعضاء -كما يقول لوكريس- "قد أوجدت غايتها ولم توجد هي لتحقيق هذه الغايات"، ومع ذلك نجد في الكتاب السادس من "طبائع الأشياء" للوكريس في الأبيات "1023 وما بعده" ما ترجمته: "عند كل كائن إحساس بما يستطيع أن يستخدم فيه ملكاته، فالعجل الصغير حتى قبل أن تبرز قرونه بجبهته إذا استثير يحاول استخدامها فيهدد خصمه ويطارده وقد حنى رأسه، وكذلك صغار الفهود والأسود تدافع عن نفسها بمخالبها وأنيابها قبل أن تنمو لها مخالب وأنياب،

اسم الکتاب : في الميزان الجديد المؤلف : مندور، محمد    الجزء : 1  صفحة : 110
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست