اسم الکتاب : في الأدب الحديث المؤلف : الدسوقي، عمر الجزء : 1 صفحة : 245
وأنصت إلى السيد جمال الدين الأفغاني كيف يثير في النفوس الحمية، ويريدها متمردةً على الطغيان والعسف والهوان، وينعى على المصريين خورهم واستكانتهم إلى كل من يحكمهم؛ فقد روى سليم عنحوري عن السيد جمال الدين قوله: "إنكم معاشر المصريين قد نشأتم في الاستعباد، وربيتم في حجر الاستبداد، وتوالت عليكم قرونٌ منذ زمن الملوك والرعاة حتى اليوم، وأنتم تحملون عبء الفاتحين، وتعنون لوطأة الغزاة الظالمين، تسومكم حكوماتهم الحيف والجور، وتنزل بكم الخسف والذل، وأنتم صابرون بل راضون، وتسنزف قوام حياتكم ومواد غذائكم التي تجمعت بما يتحلب من عرق جباهكم بالعصا والمقرعة والسوط، وأنتم معرضون، فلو كان في عروقكم دم فيه كريات حيوية، وفي رءوسكم أعصاب تتأثر فتثير النخوة والحمية، لما رضيتم بهذا الذل وهذه المسكنة، وتناوبتكم أيدي الرعاة ثم اليونان والرومان والفرس، ثم العرب والأكراد والمماليك، وكلهم يشق جلودكم بمبضع نهمه، وأنتم كالصخرة الملقاة في الفلاة لا حس لكم ولا صوت.
انظروا أهرام مصر, وهياكل ممفيس، وآثار طيبة، ومشاهد سيوة، وحصون دمياط، فهي شاهدة بمنعة آبائكم وعزة أجدادكم.
هبوا من غفلتكم ... اصحوا من سكرتكم ... عيشوا كباقي الأمم أحرارًا سعداء[1].
بل كان السيد جمال الدين في غاية الجرأة يحرِّضُ على الثورة علانيةً في كلماتٍ ملتهبة تثير الهمم الخامدة، وتحيي العزائم الميتة، وتحرك العقول الجامدة، من مثل قوله من خبطة له بالإسكندرية قبيل خلع الخديو إسماعيل:
"أنت أيها الفلاح المسكين, تشق قلب الأرض لتستنبت منها ما تسد به الرمق، وتقوم بأود العيال، فلماذا لا تشق قلب ظالمك؟ لماذا لا تشق قلب الذين يأكلون ثمرة أتعابك"[2]. [1] سليم عنحوري, تاريخ محمد عبده, لرشيد رضا, ج1 ص46. [2] مذكراتي في نصف قرن: أحمد شفيق, ص108.
اسم الکتاب : في الأدب الحديث المؤلف : الدسوقي، عمر الجزء : 1 صفحة : 245