اسم الکتاب : فنون التحرير الصحفي بين النظرية والتطبيق المقال الصحفي المؤلف : محمود أدهم الجزء : 1 صفحة : 294
الزمان والمكان ولا يخضع لهما كما نخضع, هو فوق الأين.
فبدا على الدكتور كرافت أنه لا يفهم ولكنه قال في احترام شديد:
- ألا يمكن أن نتكلم كلاما أكثر وضوحا وواقعية, ألا يمكن أن تقول لي عن الله شيئا ملموسا، صدقني إني في دهشة من إيمانكم العميق أيها المصريون، إيمان بطول سبعة آلاف سنة، إنه شيء عجيب يدهشني، منذ سبعة آلاف سنة وأنتم تبنون للموت ولا تعيشون للحياة ولكن لما بعد الحياة, وكأنما أنتم متأكدون تماما من كل شيئ ألا يدهشك هذا, من أين لكم بهذا اليقين بأن بعد الموت شيء, لكم أتمنى أن أرى الله كما ترونه.
فقال الرجل الريفي في بساطة:
- إني لا أرى غيره، أراه في تفتح الزهرة وابتسامة الوليد وأراه في الصواعق وأرى مشيئته في حركة التاريخ وأرى يده في قبضه الجاذبية التي تضم شمل الكون وتمسك بالمجرات وتحمل السموات بلا عمد، وأراه أقرب إلي من نفسي بل أقرب إلي من نطقي وأراه في العماء خلف كل شيء، في غيب الغيب، لا يوصف ولا يحد، سبحانه لبس كمثله شيء.
وحاول أن يبحث عن كلمات تقول أكثر وتفصح أكثر وتجسد أكثر, كلمات يعبر بها الفجوة الهائلة بينه وبين محدثه ولكنه لم يجد.
كانت الفجوة كبيرة, فجوة بين حضارتين:
حضارة لا تؤمن إلا بما ترى وتلمس وتحس وتسمع.
حضارة مادية تبدأ من المادة وتنتهي إلى المادة وتشيد من المادة معجزات وخوارق واختراعات وسفنا فضائية وقنابل وتصنع بها الدمار والعمار.
وحضارة أخرى تواقة حالمة متطلعة إلى الغيب تتصنت بالقلب والروح عني ما لا يرى وما لا يسمع وتعبر المادة أبدا ودائما إلى ما وراءها.
وسكت الرجل الريفي ولم يجد كلاما يقوله ليعبر به الفجوة.
وأخذ يعيد ما قال, وكأنما يخاطب نفسه:
- إني لا أرى غيره، لا أرى إلا الله سبحانه لا سواه.
قال الدكتور كرافت:
- إني لا أملك إلا أن احترمك، ولكني لا أفهمك.
وفي المساء في الفراش كان الرجل الريفي يحدث زوجته وهو يخبط كفا بكف:
اسم الکتاب : فنون التحرير الصحفي بين النظرية والتطبيق المقال الصحفي المؤلف : محمود أدهم الجزء : 1 صفحة : 294