اسم الکتاب : فن المقال الصحفي في أدب طه حسين المؤلف : عبد العزيز شرف الجزء : 1 صفحة : 145
ومن ذلك يبين أن الموقف الصحفي في المقال القصصي يتَّفِق والمعنى الفلسفي الحديث للموقف الإنساني[1] بعامة، ولكنه يمتاز بالقصد إليه لأسباب خارجية، أهمها أداء وظائف النمذجة الصحفية في التبسيط للجماهير من خلال اللغة في مستواها العملي بواقعيته وعموميته.
جـ- وظيفية الشكل القصصي في المقال:
ونخلص مما تَقَدَّمَ، إلى أن التوسُّلَ بالشكل القصصي في مقال طه حسين ليس مقصودًا لذاته، وإنما يتوسّلُ به توسُّلًا وظيفيًّا في أداء وظائف المقال الصحفي، ولذلك يستقي مواقفه ونماذجه من الواقع الملموس, ولعلنا لا نغلو إذا ذهبنا مع الدكتور عياد2 إلى أن فصول "المعذَّبون في الأرض" التي نفى كاتبها بشدة أن تكون مجموعة قصص قصيرة، قد حوَّلَت اتجاه القصة المصرية في تصوير الجوانب المظلمة من المجتمع المصري قبل الثورة، فاندفع في هذا الباب جيلٌ كاملٌ من كُتَّاب القصة القصيرة3. ومهما يكن من شيء، فقد قامت هذه الفصول بأداء وظائف المقال الصحفي في فترة من فترات الواقع المصري عزَّ فيها التعبير المباشر في الشكل المقالي المعروف.
على أن هذا الشكل القصصي، لم يخل من سمات مقالية صريحة كما تبيَّن فيما تَقَدَّمَ، فهو يستخدم المقدمات الصحفية في كل فصل من الفصول، ويصرِّحُ بأنه لا يبغض شيئًا "كما يبغض إلقاء الدروس في الوعظ والإرشاد وتنبيه الغافلين وإيقاظ النائمين وتحذير الذين لا يغني فيهم التحذير ولا النذير، ولكنه مع ذلك مضطر إلى هذا أشد الاضطرار, يراه واجبًا تفرضه الوطنية الصادقة"4.
وقد يتوسَّل بسمات قصصية في أداء هذه الوظائف في مقدِّمات المقال فيلقي إلى القرَّاء جملة لا يذكر فيها الفاعل ولا المبتدأ إلّا متأخرًا ليثير في نفوسهم هذه الغرابة التي تدعو إلى الاستطلاع، كما في مقال "صفاء"5 حين يذكر بعد تلك الجملة اسم حنينة وابنها نصيف؛ لتزداد حاجة القرّاء إلى هذا الاستطلاع6. ومن ذلك يبين أن القدرة القصصية في أدب طه حسين، والتي يشير إليها المازني حين يقول أنه "قصصي بارع وأديب روائي من الطبقة الرفيعة"[7]، يتوسَّل بها طه حسين في مقاله توسُّلًا وظيفيًّا في معالجة القضايا والأفكار الرئيسية في [1] الدكتور محمد غنيمي هلال: مرجع سبق ص276.
2، 3 الدكتور شكري عياد: مرجع سبق ص162.
4، 5، 6 المعذَّبون في الأرض ص150، 121، 122. [7] قبض الريح, مرجع سبق.
اسم الکتاب : فن المقال الصحفي في أدب طه حسين المؤلف : عبد العزيز شرف الجزء : 1 صفحة : 145